8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

عندما يفشل نتنياهو في استفزاز ابو مازن!

حسنا فعل الرئيس الفلسطيني السيد محمود عبّاس (ابو مازن) عندما لم يعر اي اهمية للمزايدات والمزايدين مطلقي الشعارات الفضفاضة. اقدم الرئيس الفلسطيني على ما يفترض ان يقدم عليه اي مسؤول كبير يمتلك بعض صفات رجل الدولة، فشارك في القمة الثلاثية التي دعا اليها الرئيس باراك اوباما في نيويورك. قبل كل شيء لم يتخل ابو مازن عن الثوابت. شارك في القمة مع اوباما ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو واكد في الوقت ذاته امرين اساسيين. الاول ان هناك شريكا فلسطينيا يمكن التفاوض معه في حال كانت اسرائيل مستعدة لتسوية على اساس حل الدولتين. اما الامر الاخر فهو ان الاستيطان تكريس للاحتلال وان ليس في الامكان التوصل الى تسوية من دون مرجعية واضحة تقوم على خريطة الطريق وقرارات الشرعية الدولية. في مقدم القرارات القرار 242 الذي يشدد على مبدأ الارض في مقابل السلام.
كل ما حصل ان الرئيس الفلسطيني طرح في اللقاء السؤال المطلوب طرحه: هل اسرائيل تريد السلام ام لا؟ عمل ما يجب بالفعل عمله. لم يتهرب من اللقاء بنتنياهو، خصوصا ان لديه في الرئيس اوباما شاهدا على ما يقوله وعلى ردود فعل رئيس الوزراء الاسرائيلي.
من حض الرئيس الفلسطيني على مقاطعة القمة انما كان يخدم الاحتلال الاسرائيلي. كان مطلوبا ان يقع الجانب الفلسطيني في لعبة تستهدف عزل نفسه عن العالم عموما وعن الولايات المتحدة تحديدا. ما بقي في ذهن القيادة الفلسطينية ان الانتصار الكبير الذي حققه ارييل شارون على ياسر عرفات، رحمه الله، تمثل في قطع العلاقة بينه وبين الرئيس الاميركي جورج بوش الابن. في العام 2000، ايام الرئيس كلينتون، كان ياسر عرفات اكثر زعماء العالم ترددا على البيت الابيض. دخل مقر الرئاسة الاميركية غير مرة في تلك السنة وشارك في القمة الثلاثية التي انعقدت في كامب ديفيد مع كلينتون وايهود باراك رئيس الوزراء الاسرائيلي وقتذاك. قادت عوامل عدة الى القطيعة الفلسطينية- الاميركية. بين هذه العوامل التعاطي السلبي لعرفات مع اطار السلام الذي قدمه كلينتون في الاسابيع الاخيرة من عهده والقرار القاضي بعسكرة الانتفاضة بداية السنة 2001 والكلام الاستفزازي لشارون نفسه الذي خلف باراك في رئاسة الحكومة.
ما يسعى اليه نتنياهو في الوقت الراهن استفزاز ابو مازن. تماما مثلما كان شارون يستفز ابو عمار. تكمن اهمية الرئيس الفلسطيني الحالي في انه يصعب استفزازه. الاهم من ذلك، على الرغم من وجود مآخذ عدة عليه، يدرك ابو مازن تماما اهمية المحافظة على العلاقة الاميركية- الفلسطينية. امضى الفلسطينيون اربعة عقود في النضال العسكري والسياسي من اجل التوصل الى علاقة على مستوى رفيع بين قيادتهم من جهة والادارة الاميركية من جهة اخرى. كان الهدف الاسرائيلي المستمر القضاء على هذه العلاقة. نجح شارون في ذلك الى حد كبير. ساعده ياسر عرفات في بلوغ هدفه، خصوصا ان الفلسطينيين لم يقرأوا جيدا التغييرات التي طرأت على العالم بعد احداث الحادي عشر من ايلول- سبتمبر 2001. جاء ابو مازن ليعيد مد الجسور مع واشنطن. نجح في ذلك. يعود سبب نجاحه الى انه يعرف اهمية واشنطن اولا ويعرف ان من بين الاسباب التي تدفع نتنياهو الى التصعيد والاعلان عن التمسك بالاستيطان، اي بالاحتلال، حشره في زاوية ردود الفعل العنيفة التي لا تؤدي سوى الى كوارث على الصعيد الفلسطيني.
كان امتناع ابو مازن عن حضور القمة الثلاثية هدفا بحد ذاته بالنسبة الى الاسرائيليين. لذلك، سارع المزايدون الى الحديث عن تنازلات سيقدمها الرئيس الفلسطيني وسارعت حماس الى تخوينه سلفا خدمة للاحتلال. كل ما في الامر ان نتيجة ما اسفرت عنه القمة الثلاثية يتلخص بوضع الادارة الاميركية امام مسؤولياتها. هل الرئيس اوباما جدي في كلامه عن حل الدولتين ام لا؟ في حال كان جديا، ان مشكلته مع نتنياهو وليست مع الجانب الفلسطيني. في النهاية، رتب الجانب الفلسطيني البيت الداخلي في الضفة الغربية. استطاع تخليصها من فوضى السلاح. صار هدف رجل الامن الفلسطيني حماية المواطن من السرقة والابتزاز والمحافظة على الاستقرار وليس اطلاق النار على الاسرائيلي من اجل تبرير بقاء الاحتلال وارهاب الدولة الذي تمارسه الدولة العبرية والتي كانت حرب غزة الاخيرة افضل مثال عليه.
لا يمكن الاستخفاف في اي شكل بما تحقق في الضفة الغربية على الصعيد الامني. كذلك لا يمكن الاستخفاف بأهمية ما حققته فتح في مؤتمرها الاخير. استعادت فتح حيويتها وصارت عنصرا فاعلا في دعم السلطة الوطنية واجهزتها الامنية وحكومة الدكتور سلام فياض التي تعمل من اجل بناء مؤسسات الدولة المستقلة.
هناك قاعدة يمكن ان ينطلق منها الجانب الفلسطيني من اجل المطالبة بدولة مستقلة عاصمتها القدس. للمرة الاولى في تاريخ القضية هناك وعي فلسطيني لاهمية التخلص من عقلية جمهورية الفاكهاني التي لم تجر سوى الويلات على اللبنانيين والفلسطينيين في مرحلة معينة... لم تكن خطوة ابو مازن حضور قمة نيويورك سوى خطوة في الطريق الصحيح، خطوة على طريق بناء الدولة بعيدا من الاوهام والكلام الفارغ من نوع تحرير فلسطين من البحر الى النهر او من النهر الى البحر لا فارق. على العكس من ذلك هناك تصد بالفعل للاحتلال الاسرائيلي بدل تنفيذ رغباته عن طريق الصواريخ العشوائية التي تطلق من غزة بين الحين والاخر او العمليات الانتحارية التي بررت لاسرائيل اقامة الجدار الامني الذي لا هدف له سوى تكريس الاحتلال لجزء من الضفة. تعلم الفلسطينيون من تجارب الماضي القريب. تعلموا خصوصا ان الشعارات لا تطعمهم خبزا ولا تفك حصارا ولا تاتي بدولة!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00