8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل رهان أوباما على روسيا في محلِّه؟

ليس مبالغة القول ان القرار الذي اتخذه الرئيس باراك أوباما والقاضي بالغاء ما يسمى الدرع الصاروخية التي كانت الولايات المتحدة تنوي اقامتها في بولندا وتشيكيا قرار تاريخي. انه يشير الى تحول في السياسة الاميركية بهدف واضح كل الوضوح يتمثل في احتواء ايران بدل الدخول في صدام عسكري معها. اكثر من ذلك، يبدو أوباما في وضع من اقتنع بأن الولايات المتحدة ليست قادرة على خوض مواجهات جديدة من اي نوع كان من دون تنسيق وتعاون مع المجتمع الدولي كله بما في ذلك روسيا.
يبدو من خلال القرار القاضي بالغاء الدرع الصاروخية ان أوباما يعيد النظر جذريا في سياسات سلفه جورج بوش الابن. لم يعد صحيحا ان العالم يدار من واشنطن، ولم يعد صحيحا ان اميركا قادرة على القيام بما تشاء، وليس صحيحا ان في استطاعتها جرّ الاخرين خلفها في مغامرات غير محسوبة مثل الحرب على العراق. الاهم من ذلك كله، ان أوباما بات يدرك ان ليس في استطاعة الولايات المتحدة التعاطي بمفردها مع البرنامج النووي الايراني وان لا تطويق حقيقيا لايران وسياستها الهادفة الى تكريس نفسها قوة اقليمية يحسب لها ألف حساب في المنطقة الممتدة من افغانستان الى موريتانيا، مرورا بالعراق ولبنان وفلسطين واليمن والبحرين من دون تعاون روسيا والصين الى حد ما.
الوقت وحده كفيل بمعرفة ما اذا كان الرئيس الاميركي على حق ام لا وما اذا كانت نظرته الى العالم صائبة. الشيء الوحيد الاكيد ان روسيا، التي كانت مستاءة من الدرع الصاروخية في تشيكيا وبولندا ومن المحاولات الاميركية الساعية الى توسيع حلف شمال الاطلسي عن طريق جعله يضم بلدانا تقع على حدودها مثل اوكرانيا وجورجيا، لم تخف ارتياحها الى السياسة الاميركية الجديدة. وذهب رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين الى القول ان القرار الاميركي صائب وشجاع. في الواقع، لم يكن هناك ما يدعو في اي وقت من الاوقات الى التعامل مع روسيا بطريقة تشعرها بانها مجرد دولة ضعيفة غير قادرة حتى على ان يكون لديها نفوذ في جورجيا، احدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي قبل انهياره، ومسقط رأس ستالين!
هل رهان أوباما على روسيا في محله؟ الجواب انه لم يكن قادرا سوى على المجازفة والاقدام على هذا الخيار. من دون روسيا لا يمكن تطويق ايران. والى اشعار اخر، ليس في نية الولايات المتحدة الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع الجمهورية الاسلامية بسبب برنامجها النووي. بكلام اوضح، ان اميركا- أوباما ليست في وارد اي مغامرة عسكرية تدفع اسرائيل في اتجاهها من دون استنفاد الخيارات الاخرى وفي مقدمها التنسيق مع الاوروبيين والروس من اجل تطويق ايران واقناعها بأنها ليست قوة عظمى وانه يجب التفاوض معها في شأن كل صغيرة وكبيرة في الشرق الاوسط، بدءا بأمن الخليج وطرق النفط وصولا الى تشكيل الحكومة اللبنانية... وتحقيق المصالحة الفلسطينية!
ليست ايران المكان الوحيد الذي يمكن لروسيا ان تساعد فيه الاميركيين. هناك بالطبع الهاجس الافغاني الذي تحول الى كابوس يؤرق الادارة الاميركية ودول حلف شمال الاطلسي، خصوصا بريطانيا. هناك حاجة واضحة الى زيادة كبيرة في عدد القوات الاميركية والاطلسية في افغانستان في حال كان مطلوبا التعاطي بشكل جدي مع طالبان. في غياب القدرة على ارسال مزيد من القوات الى افغانستان، تعتبر روسيا الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك خبرة واسعة في الشؤون الافغانية نظراً الى انه سبق لها التورط في حرب طويلة خاسرة في هذا البلد عندما كانت لا تزال جزءا من الاتحاد السوفياتي. العالم كله، على رأسه اميركا، في حاجة الى التعاون الروسي في افغانستان. مثل هذا التعاون قد لا يكون عسكريا بالضرورة. لكن موسكو قادرة على توفير تسهيلات لوجستية للجيوش الاطلسية وعلى مدها بمعلومات ثمينة هي في أمسّ الحاجة اليها.
مرة اخرى، لا مفر من التساؤل هل الرهان الروسي لأوباما في محله؟ الثابت انه سبق الاقدام على الخطوة المتمثلة في وضع الدرع الصاروخية على الرف محادثات طويلة على اعلى المستويات بين موسكو وواشنطن شارك فيها الرئيس الاميركي نفسه ونائب الرئيس جو بايدن. ما لم يقله الاميركيون عن النظرة الى مستقبل العلاقات مع موسكو، يقوله الأمين العام لحلف شمال الاطلسي اندرس فوغ راسموسن. قال راسموسن في بروكسيل بعيد الاعلان عن الغاء مشروع الدرع الصاروخية :علينا، في وقت مناسب، استطلاع امكان الربط بين الانظمة الصاروخية لكل من روسيا والاطلسي والولايات المتحدة.
ما كان لمثل هذا الكلام المهم ان يصدر عن الأمين العام لحلف الاطلسي من دون ضوء اخضر اميركي واوروبي. مثل هذا الكلام يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات الدولية تقوم على وجود تحديات مشتركة تجمع بين روسيا وحلف الاطلسي. ايران ببرنامجها النووي وافغانستان في طليعة هذه التحديات الكبيرة التي تشعر بها روسيا وتعمل من اجل التصدي لها متى توافرت شروط معيّنة من نوع وقف تمدد حلف شمال الاطلسي في اتجاهها.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00