مرّت ثماني سنوات على العمل الإرهابي الذي ارتكبته القاعدة في الحادي عشر من أيلول 2001. لا يزال السؤال المطروح هل تعلّم العرب شيئاً من تلك التجربة، أم انهم يكتفون بوضع اللوم على الآخر، ممارسين عملية هروب مستمرة إلى أمام.
ليس أسهل من القول ان الحق على الآخر، أي على الأميركي تحديداً والعالم الغربي عموماً. هناك، للأسف الشديد، بين العرب من برر ويبرر جريمة احتلال الكويت في العام 1990 ويضع اللوم على الأميركيين وليس على نظام صدّام حسين، نظام المقابر الجماعية الذي لم يجلب للعراقيين والعرب سوى الويلات بكل انواعها وأشكالها.
لكنّ الطريقة التي ردّت بها الولايات المتحدة على غزوة واشنطن ونيويورك لا تبشر بالخير وتعطي الحق للذين يقولون ان الحرب على الإرهاب التي شنتها الأدارة الأميركية السابقة كانت في الحقيقة حربا عشوائية لم تؤد سوى إلى توفير مزيد من الذرائع للمنادين بالإرهاب والمشجعين له. الأميركيون انفسهم أدركوا ذلك في العمق. وكان أفضل تعبير عن مدى إدراكهم لحجم الأخطاء التي إرتكبتها إدارة جورج بوش الابن ذلك الانتصار الساحق الذي حققه قبل أحد عشر شهرا المرشح الديموقراطي باراك أوباما الذي بنى حملته الانتخابية على كلمة التغيير. كل ما كان يصبو إليه الأميركيون هو التغيير بعدما غرقت القوة العظمى الوحيدة في العالم في الوحول العراقية وبعدما اكتشفت متأخرة ان لا مجال لمعالجة الوضع في أفغانستان من دون التصدي لجذور المشكلة المسماة الإرهاب في باكستان. أكثر من ذلك، تبين ان كل الكلام عن نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط الجديد انطلاقا من العراق، كان مجرد كلام في غير محله، وان الحقيقة مختلفة كلياً، بل في مكان آخر.
في حال كان مطلوباً تلخيص نتائج ثماني سنوات من الحرب الأميركية على الإرهاب، يمكن القول ان ما نشهده حاليا هو سلسلة من الحروب غير المنتهية في بلدان باتت مرشحة لان تتحول إلى قواعد لـالقاعدة أو للتفكك... كما حال العراق على سبيل المثال. ما قد يكون أسوأ من ذلك بكثير ان الطريقة التي تصرفت بها الإدارة الأميركية في مرحلة ما بعد الحادي عشر من أيلول 2001 خلقت حالاً من عدم الإستقرار في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط ومحيطه. ربما كان الصومال أفضل مثل على عجز المجتمع الدولي عن معالجة المشكلة الناجمة عن إستحالة قيام حكومة مركزية في هذا البلد المهم بسبب موقعه الأستراتيجي، هذا البلد والذي اخترقته القاعدة من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه وصولا إلى الشواطئ والمناطق الداخلية ...
من نتائج كارثة الحادي عشر من أيلول 2001، تغيّر طبيعة الخريطة السياسية للشرق الأوسط .انتقل الثقل السياسي إلى خارج العالم العربي. صارت إيران أكثر أهمية مما كانت عليه في الماضي بعدما استطاعت ملء الفراغ الناجم عن سقوط النظام العائلي ـ البعثي في بغداد، وكان نظاما شديد المركزية، وبعدما سمحت لنفسها بان تكون لاعباً أساسياً في لبنان وفلسطين بتأييد ضمني من إسرائيل ما دام دورها في هذين المكانين يضرب عملية اعادة بناء مؤسسات الدولة اللبنانية من جهة ويضعف السلطة الوطنية الفلسطينية من جهة أخرى.
لم تكن إيران وحدها المستفيدة من الحرب الأميركية على الإرهاب. هناك صعود مفاجئ للدور التركي. صارت انقرة، بين ليلة وضحاها، حاضرة في كل الملفات العربية والوسيط المفضل بين سوريا والعراق وبين سوريا وإسرائيل وحتى بين حماس والمجتمع الدولي...
إسرائيل نفسها باتت تشعر بانها لاعب أساسي في المنطقة وان عليها التصرف من هذا المنطلق. صارت تهتم بأمور تتجاوز التسوية مع العرب أو مع الفلسطينيين، إذ باتت تعتقد ان في امكانها التذرع بالملف النووي الإيراني إلى ما لا نهاية بغية خلق واقع جديد على الأرض يكرس احتلالها لجزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية.
أظهرت الشهور التسعة المنصرمة ان إدارة أوباما تفتقد إلى حد كبير القدرة على إستعادة المبادرة، خصوصا في الشرق الأوسط. لم تحقق شيئاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين الذين لا يكفون عن تحديها بكل وقاحة. ليست لديها سياسة عراقية واضحة. ليست في وضع من يستطيع البناء على ما تحقق في أفغانستان أو باكستان. والأهم من ذلك كله انها غير قادرة على شرح ما الذي تريده من إيران وان ترسم لها خطوطا حمر واضحة، خصوصا عندما يتعلق الأمر ببرنامجها النووي.
بين حال الضياع الأميركية والصعود القوي لكل القوى غير العربية في المنطقة، على رأسها إيران وتركيا وإسرائيل، يكاد العرب بالكاد يتذكرون الأسئلة التي طرحتها كارثة الحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر 2001. بعد ثماني سنوات على الكارثة، هل تحسن الخطاب الرسمي العربي الذي لا يزال عليه الأجابة عن سلسلة من الأسئلة في مقدمها ما هي مواد البرامج التربوية في معظم المدارس؟ مإذا تعلّم هذه المدارس؟ هل تدعو إلى ثقافة التسامح؟ هل تلبي حاجات سوق العمل... أم ان نسبة البطالة والتطرف ستستمر في الإزدياد ومعها مشكلة النمو السكاني؟ يمكن بالطبع إثارة موضوع المرأة وحقوقها وما إذا كان حصل تقدم في هذا المجال الذي يشكل نصف المجتمع. المؤسف ان عدد البلدان التي تحقق فيها بعض التقدم قليل. كل ما يمكن قوله ان من حسن حظ عدد لا بأس به من الحكام العرب ان في امكانهم دائما تعليق مشاكل بلدانهم على الشماعة الإسرائيلية أو الأميركية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.