خرج الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد منتصراً من المواجهة التي شهدها مجلس الشورى (البرلمان) في مناسبة تقديم حكومته ونيل كل من وزرائها الثقة. استطاع أحمدي نجاد تمرير كل وزرائه باستثاء ثلاثة بينهم امرأتان، علما بأن المجلس رفض خمسة وزراء لدى تقديم الرئيس الايراني حكومته الاولى في العام 2005. يبدو أحمدي نجاد العام 2009 في وضع أفضل من أحمدي نجاد 2005، على الرغم من موجة الاعتراضات التي أثارتها انتخابات الثاني عشر من حزيران الماضي. الاهم من ذلك كله بالنسبة إلى الرئيس الايراني أن المجلس وافق على الوزراء الذين يعلق عليهم أهمية ويجسدون في الوقت ذاته التغيير الذي شهدته ايران والذي يمكن وصفه بانقلاب حقيقي أكثر من أي شيء آخر. على رأس هؤلاء وزير الدفاع أحمد وحيدي المطلوب مثوله أمام القضاء بموجب مذكرة توقيف أرجنتينية لاتهامه بالضلوع في تفجير استهدف مركزا يهوديا في بوينس أيرس في العام 1994. ويمثل وحيدي الوجه الحقيقي للانقلاب الذي حصل والذي حول أحمدي نجاد، من رمز لتيار معين، إلى شخصية تمثل أحد مراكز القوة، ان لم يكن المركز الاساسي للقوة، في ايران.
طغى توزير وحيدي على دخول امرأة الحكومة الايرانية وذلك للمرة الاولى منذ الثورة التي قادها آية الله الخميني في العام 1979. بدا توزير مرضية وحيد دستجردي تفصيلا مقارنة مع اكتساح ممثلي الحرس الثوري والاجهزة الامنية المواقع الاساسية في الحكومة. ومن بين هؤلاء مصطفى نجار وزير الداخلية الجديد ووزير الاستخبارات حيدر مصلحي. بدا، من خلال الوجوه المهيمنة على الحكومة الجديدة، وكأن أحمدي نجاد استكمل انقلابه الذي أخذ بدربه الولي الفقيه آية الله علي خامنئي الذي بات عليه التعاطي مع الرئيس الايراني من خلال الموازين الجديدة للقوى في البلد وليس من منطلق وجود رئيس ومرؤوس، أي بصفة كونه المرشد الاعلى الذي ليس مسموحا بمناقشته في أي أمر من الامور... كما كانت عليه الحال سابقا. كل ما فعله خامنئي أنه دعم أحمدي نجاد وأمن أكثرية مريحة لوزرائه في البرلمان.
ألى أين سيأخذ أحمدي نجاد وحكومته ايران؟ الواضح، من خلال وجوه الحكومة أن الجمهورية الاسلامية في عهد أحمدي نجاد ستتبع سياسة أكثر هجومية من الماضي ان على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي. سيظهر ذلك من خلال طريقة تعاطيها مع المعترضين على نتائج الانتخابات من جهة ومن خلال مجمل التوجهات الايرانية اقليميا ودوليا من جهة أخرى.
من يراقب الوضع اللبناني عن كثب، يجد أن النظام الايراني، عبر أدواته وأدوات الادوات التي يمتلكها في الوطن الصغير يعرقل تشكيل الحكومة. إلى اشعار آخر، ليس ما يشير إلى أن رئيس الوزراء المكلّف النائب سعد الحريري سيكون قادرا على تشكيل حكومة في ضوء القرار الايراني، والسوري إلى حد ما، والقاضي بالتحكم بأي موقف يمكن أن تتخذه الحكومة اللبنانية، أي حكومة لبنانية مستقبلا من أي موضوع كان، خصوصا المحكمة الدولية. لبنان رهينة لدى ايران لا أكثر، خصوصا بعد غزوة بيروت في السابع من أيار 2008 والتي أظهر حزب الله من خلالها قدرته على احتلال المدينة والسيطرة عليها في غضون ساعات.
ومن يراقب الوضع العراقي، يجد أن ايران تستعد لملء الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب العسكري الاميركي في السنة 2011. ما يؤكّد ذلك تشكيل جبهة سياسية جديدة بغطاء ايراني- سوري يمكن أن تقصي مستقبلا رئيس الوزراء الحالي السيد نوري المالكي الذي أظهر بعض الاستقلالية تجاه طهران!
أما على الصعيد الدولي، فإن المكان الذي ستظهر فيه ايران مدى قدرتها على المقاومة، فهو برنامجها النووي. ستجد ايران نفسها قريبا أمام امتحان جديد يكشف ما اذا كانت قادرة على التعاطي مع المجتمع الدولي أم لا. بكلام أوضح، من دون تقديم طهران لضمانات معينة في شأن برنامجها النووي ليس في انتظارها سوى عقوبات دولية جديدة من النوع الذي يمكن أن يزعج الايرانيين هذه المرة، خصوصا في حال شملت العقوبات تصدير النفط المكرر إلى ايران. ايران، الحالمة بأن تكون قوة اقليمية، لا تمتلك ما يكفي من المصافي وهي تصدر النفط الخام وتعيد استيراد بعضه مكررا!
هل يمتلك أحمدي نجاد الوسائل الكافية لتنفيذ سياساته؟ هل يمتلك دعما حقيقيا في الداخل الايراني ولدى المؤسسة الدينية؟ الاكيد أنه ليس مسموحا الاستخفاف بالرجل وبما يمثله وبمن يقفون خلفه. الاكيد أيضا أن ليس في الامكان تجاهل أن الانقسامات الداخلية في ايران صارت عميقة وعلى كل المستويات، كما أن هناك نوعا من الطلاق بين المجتمع والمؤسسات الامنية. لكن الاهم من ذلك كله أن أحمدي نجاد فشل على الصعيد الاقتصادي بشكل ذريع. لا يمكن بناء قوة اقليمية ذات نفوذ كبير من دون اقتصاد متين. كسب أحمدي نجاد، عبر تمرير حكومته، جولة... تنتظره جولات أخرى كثيرة. إلى متى سيصمد الانقلاب الذي نفّذه والذي تحول رمزا له؟ من عادة الايرانيين الصبر طويلا. انهم معروفون بصبرهم وقدرتهم على إحداث التغيير. هذا التغيير الذي سيحصل عاجلا أم آجلا لسبب في غاية البساطة، أن الايرانيين بأكثريتهم الساحقة ينتمون إلى ثقافة الحياة...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.