تبدو الانتخابات الرئاسية في أفغانستان أقرب الى حدث لا يقدّم ولا يؤخر في بلد لم يحل له الغزو الاميركي- الأطلسي أياً من مشاكله بأستثناء إسقاط نظام طالبان. سقط النظام وبقيت طالبان التي تبدو في الوقت الحاضر الجامع المشترك بين المرشحين للانتخابات الرئاسية نظراً الى أن كل واحد منهم يسعى الى فتح حوار معها، فيما الهم الوحيد للحركة يبدو محصوراً في العودة الى السلطة والإمساك بأفغانستان مجدداً...
تكمن مشكلة الانتخابات الرئاسية في أفغانستان في أنه أياً يكن الفائز فيها، ليس ما يشير الى أن طبيعة المعركة الدائرة على الأرض تغيّرت. طبيعة المعركة يمكن اختصارها بالمواجهة مع طالبان وكيفية إخضاعها أو إعادتها الى حيث يجب أن تكون، أي في حضن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي.اي.اي). هل لا يزال في الإمكان السيطرة على طالبان أم أنها صارت في مكان آخر بعدما خانت أولئك الذين اخترعوها، أو على الأصح أولئك الذين ارتكبوا هذه الخطيئة؟ الذين ارتكبوا الخطيئة معروفون جيداً... إنهم الأميركيون. أما الذين نفذوا على الأرض ما ارتكبه الأميركيون معتمدين على سياسة قصيرة النظر تقوم على مقاومة السوفيات ثم الإمساك بالبلد عن طريق مجموعة دينية متطرفة فهم الباكستانيون.
كانت السياسة الأميركية تدعو الى استخدام التطرف الديني لمحاربة الوجود السوفياتي في أفغانستان في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ثم تأمين نوع من الاستقرار فيها بعدما تبين أن أمراء الحرب غير قادرين على ذلك. بعد الانسحاب السوفياتي من أفغانستان صار مطلوباً ايجاد قوة قادرة على إبعاد أمراء الحرب، بغض النظر عن طبيعة النظام الجديد وعلاقته بحقوق الإنسان. من أجل تحقيق هذا الغرض، تولت الأجهزة الباكستانية صنع طالبان بناء على طلب أميركي. يمكن اعتبار طالبان نتاج تفاهم أميركي ـ باكستاني رفض أن يأخذ في الاعتبار انعكاسات صنع مثل هذا الوحش على مستقبل أفغانستان وحتى على باكستان نفسها. الآن يدفع الأميركيون ومعهم الحلفاء في حلف شمال الأطلسي ثمن الخطأ الذي نجم عن صنع طالبان. إنه ثمن خطيئة مزدوجة قادت الى كوارث حقيقية وحرمت الولايات المتحدة من إمكان استغلال نفوذها بشكل ايجابي بعد انتصارها في الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي.
لماذا الحديث عن خطيئة مزدوجة؟ الجواب إن هناك مأزقين أميركيين بسبب الطريقة التي اعتمدت في التعاطي مع طالبان إن في مرحلة تأسيسها أو في المرحلة التي تلت أحداث الحادي عشر من أيلول 2001. المأزق الأول في باكستان وأفغانستان والآخر في العراق الذي حالت الحرب التي شنت عليه دون القضاء على الإرهاب من جهة، وأدت في الوقت ذاته الى السقوط الأميركي في المستنقع الأفغاني- الباكستاني والغرق فيه.
في مرحلة معينة، تغاضى الأميركيون عن انتقال اسامة بن لادن الى أفغانستان من السودان. اعتقدوا أن طالبان ستعالج أمر زعيم القاعدة، خصوصاً بعد سلسلة التفجيرات التي استهدفت سفارات ومصالح أميركية في دول افريقية عدة بينها كينيا وتنزانيا ثم في ميناء عدن اليمني حيث تعرضت المدمرة كول لهجوم انتحاري في تشرين الاوّل 2000. لم يكن طبيعياً الانتظار حتى الحادي عشر من أيلول 2001 لمباشرة ما سماه الرئيس جورج بوش الابن الحرب على الإرهاب. ومع ذلك، فضلت إدارتان أميركيتان الانتظار. اختارت إدارة بيل كلينتون التعاطي مع الخطر الطالباني عن طريق بعض الاستعراضات العسكرية من نوع إطلاق صواريخ توما هوك على أهداف معينة داخل الأراضي الأفغانية. الى الآن ليس معروفاً هل أصابت هذه الصواريخ أهدافها أم لا؟ أما بوش الابن، فقد قرر إسقاط نظام طالبان بعد الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها واشنطن ونيويورك رافضاً أن يأخذ علماً بأن لـطالبان والقاعدة قاعدة خلفية في باكستان. فات الرئيس الأميركي السابق أن الاستخبارات الأميركية شاركت الاستخبارات العسكرية الباكستانية في صناعة طالبان اعتماداً على عنصرين أساسيين هما طلاب المدارس الدينية في باكستان وقبائل البشتون التي لا تؤمن بالحدود القائمة بين باكستان وأفغانستان والتي تنتمي اليها عناصر طالبان. تصرّف وكأن الولايات المتحدة تعرفت حديثاً على طالبان وأكتشفت فجأة ايديولوجيتها المتخلفة.
ترك بوش الابن طالبان تلتقط أنفاسها وتستعيد قوتها وتعيد رص صفوفها بدل اللجوء الى حلول جذرية إن على الصعيد الأفغاني أو على الصعيد الباكستاني. وفّر لها كل الوقت اللازم كي تنمو مجدداً وتنتشر وكي تتمكن من تأمين ملاذ آمن لـالقاعدة. فعل ذلك بمجرد آخذه الجيش الأميركي الى العراق قبل أن ينهي مهمته في أفغانستان وقبل أن يفكر السياسيون الأميركيون في كيفية معالجة الوضع الباكستاني.
تدفع إدارة الرئيس باراك أوباما ثمن الخطيئة المزدوجة لإدارة بوش الابن. ما الذي يستطيع الرئيس الأميركي عمله غير الاعتراف بأن الحرب في أفغانستان ستكون طويلة ومحاولة إقناع الأميركيين بأن لا مفر من خوضها؟ الأكيد أن لا خيار آخر أمام الإدارة الأميركية. ولكن كيف يمكن الانصراف مجدداً الى الحرب الأفغانية فيما ليس ما يشير الى أن العراق ليس سوى قنبلة موقوتة وأن الوضع فيه مرشح لانفجار كبير يهدد السلم والاستقرار الاقليميين حال مغادرة القوات الأميركية أراضيه؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.