8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

بعض التفاؤل بتحسّن الوضع الفلسطيني...

أن تقضي حماس على أنصار جند الله في غزة، وعلى رأس هؤلاء زعيم التنظيم عبداللطيف موسى الذي أعلن قيام إمارة إسلامية في رفح، دليل على جديتها في السير في مشروعها الى النهاية. يتمثل هذا المشروع في أن تكون الإمارة الإسلامية في غزة تحت السيطرة الكاملة للحركة. بكلام أوضح، لا يمكن لـحماس القبول بأي شريك آخر متى كان الأمر يتعلق بحكم قطاع غزة والتحكم به.. حتى لو كان ذلك تحت الحصار. كانت حماس تقبل بفوضى السلاح، بل تعمل من أجل انتشارها قدر الإمكان عندما كان القطاع تحت سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية حتى منتصف العام 2007. الآن تغيّرت المعادلة. صارت فوضى السلاح أمراً مرفوضاً. صارت خطراً على حماس التي تريد تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني على طريقتها، انطلاقاً من غزة.
تبدو كل الوسائل مسموحاً بها ولها مبرراتها، ما دام الهدف واضحاً وهو الاحتفاظ بغزة على الرغم من المآسي التي يتعرض لها المواطن العادي بشكل يومي. صار مبرراً، على سبيل المثال مهاجمة مسجد وقتل ما يزيد على عشرين شخصاً من أجل تأكيد أن لا سلطة فوق سلطة حماس في غزة. صار مبرراً تفادي الإقدام على أي خطوة يمكن أن تؤدي الى رفع الحصار عن غزة كي لا يكون هناك أي مجال للبحث في عودة السلطة الوطنية الى القطاع...
صارت حماس أسيرة الجندي جلعاد شاليط الذي كلف منذ يوم أسره، قبل ثلاث سنوات وشهرين ما يزيد على ألفي شهيد فلسطيني وحرباً مدمرة كان العالم يتفرج خلالها على الوحشية الإسرائيلية من دون أن يرف له جفن غير آبه بما يحل بالنساء والأطفال والمدنيين عموماً بحجة أن حماس تطلق صواريخ من غزة في اتجاه الأراضي الإسرائيلية. تبدو حماس اليوم غير قادرة على الإقدام على أي خطوة من أجل فك الحصار خشية أن يكون ذلك مدخلاً الى تخليها عن جزء من السلطة. أمس كانت الصواريخ العشوائية التي تطلق من القطاع فعل مقاومة. اليوم صار إطلاق الصواريخ خيانة وطنية. ما الذي تغيّر؟ ربما تغيّرت أمور كثيرة بأستثناء إمساك حماس بغزة والحصار المستمر الذي لا يحتاج فكه سوى الى قرارت عاقلة تتسم بحد أدنى من المنطق بدل الاعتقاد بأن المجتمع الدولي سيضفي شرعية على حماس ويعترف بحكومتها لمجرد أنها باشرت حرباً على أنصار جند الله. هؤلاء يمكن أن يكونوا فرعاً من فروع القاعدة، وربما من صنع موتور اسمه عبداللطيف موسى لا يعرف شيئاً عن القضية الفلسطينية ولا عن الشعب الفلسطيني ولا حتى عن غزة. نسي المسؤولون في حماس أن المجتمع الدولي يعي تماماً أن تنظيم أنصار جند الله خرج من تحت عباءتها وأن لا داعي لمثل هذا النوع من البطولات للظهور في مظهر من يريد التصدي لـالقاعدة وما شابه القاعدة.
هناك بكل بساطة مأزق أسمه مأزق حماس في غزة. كان أفضل تعبير عن هذا المأزق القرار الذي اتخذته الحركة والقاضي بمنع أعضاء في فتح من مغادرة القطاع للمشاركة في المؤتمر السادس للحركة الذي انعقد في بيت لحم قبل أيام. يعتبر هذا القرار بالغ الخطورة نظراً الى أنه يكرس القطيعة بين غزة والضفة الغربية. لن تقبل حماس بعد اليوم بأي علاقة بين الضفة والقطاع ما دامت الضفة خارج سيطرتها. ونظراً الى أن ذلك غير وارد في المدى المنظور، ليس ما يشير تالياً ألى أي عودة للوضع الطبيعي المتمثل في توحيد الكيانين الفلسطينيين تحت سلطة واحدة.
هل من مخرج من هذا الوضع الفلسطيني الذي ترتاح له حكومة بنيامين نتنياهو الساعية الى تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية؟ الجواب أن الرد على كل ما تقوم به حماس في غزة وعلى المواقف التي تتخذها حكومة نتنياهو يتمثل في تحويل الأراضي التي تسيطر عليها السلطة الوطنية الى مناطق آمنة يشعر فيها المواطن الفلسطيني بأنه يعيش في دولة مؤسسات تسودها تعددية حزبية وليس تحت رحمة هذه الميليشيا أو تلك أو تحت نظام الحزب الواحد الذي يريد أن يفرض على الناس طريقة معينة في اللباس، كما الحال في غزة الآن. الضفة الغربية الآمنة نواة الدولة الفلسطينية المستقلة. ومن يتمعن في النتائج التي أسفر عنها المؤتمر الأخير لـفتح يستطيع أن يكون متفائلاً ولو قليلاً بأن ثمة تغييراً في الذهنية الفلسطينية. هذا التغيير يظهر على مستويين أولهما دعم فتح لحكومة الدكتور سلام فيّاض التي فعلت الكثير حتى الآن من أجل بناء مؤسسات لدولة فلسطينية بعيداً عن الحسابات الحزبية الضيقة. أما المستوى الآخر للتغيير، فهو على المستوى التنظيمي في فتح. إن فتح ما بعد المؤتمر السادس غير فتح ما قبل المؤتمر. لم تعد قيادة فتح مستميتة على المناصب. الأولوية الآن لمساعدة الأجهزة الأمنية الرسمية ودعمها ولاستعادة الحركة لقدرتها على التأثير في الشارع والمساهمة في خلق أجواء آمنة في كل قرى الضفة ومدنها بغية مواجهة الاحتلال ومقاومته بالطريقة التي يجب أن يُقاوم بها. ما حصل في مؤتمر فتح كان ثورة بيضاء استكملتها انتخابات المجلس الثوري التي فاز فيها الإصلاحيون الذين يعرفون تماماً أن التصدي للاحتلال الإسرائيلي لا يكون برفع الشعارات بمقدار ما أن ذلك يكون عن طريق بناء مجتمع فلسطيني متصالح مع نفسه في أجواء ديموقراطية وفي ظل أزدهار أقتصادي. تلك هي الخطوة الأولى على طريق بناء الدولة الفلسطينية المستقلة المؤمنة بثقافة الحياة أوّلاً... إنها خطوة تبرر المقدار القليل من التفاؤل بتحسن الوضع الفلسطيني قريباً.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00