8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أهمية ما تشهده موريتانيا!

أدى الرئيس الموريتاني الجديد الجنرال محمد عبد العزيز اليمين الدستورية في ظروف طبيعية. قاطع حفلة تأدية اليمين المرشحون الفاشلون في الانتخابات الرئاسية. لم يؤثر ذلك في شيء على اهمية الحدث الذي يؤكد رفض موريتانيا لأن تكون الحلقة الضعيفة في منطقة شمال افريقيا والشريط الصحراوي الطويل الممتد من المحيط الاطلسي الى البحر الاحمر.
حضر الحفلة التي ادى فيها الرئيس الموريتاني اليمين ممثلو المجتمع الدولي الذين باتوا يدركون اهمية ان يختار الشعب الموريتاني رجلا مثل الجنرال عبد العزيز رئيسا. ثمة حاجة موريتانية الى الاستقرار. هذا ما يدركه الشعب الموريتاني الذي انتخب الجنرال عبد العزيز رئيسا مؤكدا انه يعرف ما الذي يريده. موريتانيا تبحث خصوصا عن الابتعاد عن المزايدات في وقت تمر كل منطقة شمال افريقيا ومعها المنطقة الصحراوية الممتدة من جنوب موريتانيا وصولا الى جنوب السودان بمرحلة اقل ما يمكن ان توصف به انها دقيقة. ليس مطلوبا من موريتانيا ان تكون مجرد ساحة للتجاذبات الاقليمية. لذلك جاء الجنرال عبد العزيز ليؤكد ان بلاده تريد مصلحتها، اي ان الموريتانيين يرفعون شعار موريتانيا اوّلا. ويبدو ان المجتمع الدولي بات يؤيد هذا التوجه ويدعمه بقوة واضعا حدا للتهديدات بمقاطعة نواكشوط.
دفعت موريتانيا غاليا ثمن التجاذبات الاقليمية منذ الاستقلال في الستينات وتولي الرئيس مختار ولد داده السلطة قبل ان يطيحه انقلاب عسكري.
خسر مختار ولد داده السلطة في بلاده بعد اتخاذه موقفا عقلانيا من قضية الصحراء الغربية في العام 1975. كان ولد داده يسعى الى الاستقرار والى ايجاد ظروف طبيعية تتطور موريتانيا في ظلها. لم يع ولد داده خطورة الخيار الذي اتخذه والذي تمثل في اقتسام الصحراء الغربية مع المغرب بعد الانسحاب الاسباني منها. على الصعيد العملي لم يستوعب اول رئيس لموريتانيا المستقلة ابعاد النزاع الصحراوي ومدى استعداد الجزائر للتورط في هذا النزاع من اجل شن حرب استنزاف على المغرب ومحاولة تطويقه من كل الجهات. كانت نتيجة ذلك، الانقلاب العسكري الاوّل الذي حمل موريتانيا على الخروج من نزاع الصحراء المغربي- الجزائري واعادة الاراضي الصحراوية المغربية الى المغرب.
ما يتهدد موريتانيا في هذه المرحلة خطر من نوع جديد اسمه الارهاب. استطاعت القاعدة استغلال كل انواع النزاعات والخلافات في منطقة شمال افريقيا وجنوب الصحراء لتنتشر في طول الشريط الممتد من الجنوب الموريتاني والنيجر وحتى السنغال وصولا الى الجنوب السوداني مرورا بمالي وتشاد. لم يوفر الارهاب منطقة معينة. سعت القاعدة بكل بساطة الى ملء اي فراغ تصادفه في طريقها. كان التركيز الاساسي للارهابيين في مرحلة معينة على المغرب. ما لبثوا ان انكفأوا بعدما تبين لهم ان هناك بلدانا حصنت نفسها منذ فترة لا بأس بها ضد كل ما هو ارهابي وارهابيين. على رأس هذه البلدان يأتي المغرب وتونس وليبيا. ادركت البلدان الثلاثة باكرا جدا ان اي تهاون في التعاطي مع التطرف سيقود الى كارثة محتمة وسيسمح بتفشي هذه الظاهرة في اوساط المجتمع كله.
في وقت ادركت فيه موريتانيا ما هو على المحك في المنطقة، بقيت نقطة الضعف في الحرب على الارهاب في الجزائر وذلك على الرغم من الوعي العميق لبعض كبار المسؤولين فيها لأهمية التصدي لهذه الظاهرة حتى في مناطق واقعة خارج الحدود الجزائرية تابعة لدول اخرى كمالي على سبيل المثال وليس الحصر. ما يعيق الحملة على الارهاب في الجزائر، على الرغم من ان الاجهزة الامنية في هذا البلد المهم مقتنعة تماما بضرورة استئصاله، غياب القناعة لدى القيادة السياسية بأن لا مفر من تعاون اقليمي في هذا المجال. انه وهم الدور الاقليمي الذي يحول دون انضمام الجزائر الى الحرب على الارهاب بفعالية. انه وهم اسمه القدرة على استغلال النزاعات الاقليمية لاضعاف الدول الاخرى في المنطقة. وهي قدرة غير موجودة حقيقة. ليس كافيا التعاون مع الاميركيين والاستعانة بخبراتهم في هذا المجال حتى تكون الحملة الجزائرية على الارهاب ناجعة. مجرد رفض فتح الحدود مع المغرب والتعاون في حل نزاع الصحراء بطريقة تحفظ ماء الوجه لكل الاطراف المعنية دليل على غياب النية الجدية لدى الجزائر في التصدي للارهاب ومكافحته. باختصار، يعتبر بقاء جرح الصحراء مفتوحا والعلاقات المغربية- الجزائرية على حالها، اي شبه مجمدة، بمثابة فرصة لـالقاعدة تستغلها للتسلل الى دول المنطقة.
تكمن اهمية ما حدث في موريتانيا، في السنة الاخيرة، اي منذ الانقلاب العسكري الذي وقع في آب من العام الماضي ووضع حدا للحكم المدني في ان هناك من يفهم تماما ان اي تهاون مع المتطرفين سيعود بالويلات على موريتانيا. لقد سلّم العسكر الحكم للمدنيين في مرحلة معينة. لكنهم اكتشفوا ان الرئيس المنتخب من النوع الذي لا يفهم ان الديموقراطية لا معنى لها وانها ستكون مهددة عندما تكون السلطة مترددة ومتساهلة في تعاملها مع ظاهرة التطرف الديني. كان لا بدّ من تصحيح الاوضاع. بعد سنة على الانقلاب العسكري، عاد العسكر الى السلطة عبر الانتخابات وليس عبر اي وسيلة اخرى. المطلوب حماية موريتانيا والمجتمع الموريتاني. الاولوية للحرب على الارهاب. المجتمع الدولي الذي قاطع الانقلابيين في البداية غيّر رأيه بعدما اكتشف ان لا طريق اخر لمنع انزلاق موريتانيا في اتجاه الهاوية. الامل الان، في ان تتعظ الجزائر من التجربة الموريتانية وان تنضم بالافعال الى الحرب على الارهاب وان تقتنع بأن هذه الحرب لا يمكن الانتصار فيها من دون التعاون الاقليمي.
لا حاجة الى المكابرة. هناك تجدد لنشاط القاعدة في غير منطقة حتى داخل موريتانيا نفسها. لكن المكان الاشد خطورة هو الجزائر حيث ارتفعت وتيرة العمليات الارهابية في الاشهر القليلة الماضية. الى متى الرفض الجزائري للتعاون الاقليمي؟ الى متى رفض المشاركة في الحرب على الارهاب التي عانت الجزائر منها قبل غيرها؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00