بغض النظر عن النتائج التي تمخّض عنها مؤتمر فتح، لا بدّ من ايراد بعض الملاحظات ذات الطابع الايجابي على هامش تلك التظاهرة المهمة التي شهدتها الاراضي الفلسطينية للمرة الاولى منذ الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية في حزيران ـ يونيو من العام 1967.
ربما كانت الملاحظة الاولى ان المؤتمر انعقد في الاراضي الفلسطينية. وهذا يجرّ الى التطرق الى الظروف التي سمحت بذلك. لم يكن ممكنا انعقاد المؤتمر في بيت لحم لولا توافر الامن فيها. هل تعلّم الفلسطينيون من تجربة الماضي القريب واكتشفوا اخيرا ان فوضى السلاح ليست في مصلحتهم؟ الجواب نعم كبيرة تصب في مصلحة القضية الفلسطينية ككل. لم يعد في الامكان الربط بين الفلسطيني وفوضى السلاح بشكل اوتوماتيكي كما كان يحصل في الماضي، اكان ذلك في الاردن او لبنان او الاراضي الفلسطينية. كل ما في الامر، ان الفلسطينيين ادركوا اخيرا ان القضاء على فوضى السلاح جزء اساسي من النضال الذي يخوضونه في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي بغية تحقيق هدفهم المتمثل في اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. لا شك ان القضاء على فوضى السلاح في الضفة يعود الى وعي عام بدأ يتبلور لأهمية عدم تكرار تجربة قطاع غزة في الضفة الغربية. فما ساهم على نحو حاسم في تمكين حماس من السيطرة على القطاع منتصف العام 2007 هو التساهل في معالجة قضية السلاح وانتشاره على نحو عشوائي. انتهى الامر بتشكيل حماس ميليشيات خاصة بها تمكنت في النهاية من ان تثبت انها اقوى من القوى الامنية التابعة للسلطة الوطنية. وما لا بدّ من الاعتراف به ان ياسر عرفات، رحمه الله، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني تساهل في البداية، اي منذ عودته الى غزة في العام 1994، مع فوضى السلاح من منطلق ان في استطاعته ضبط الاوضاع، متى كان ذلك في مصلحته. كانت النتيجة ان دفعت فتح ثمن هذا القرار في المدى الطويل، اي في العام 2007 عندما لم يعد أبو عمّار موجودا.
أما الملاحظة الثانية المهمة، على هامش مؤتمر فتح، فهي ان الفلسطينيين باتوا متأكدين من ان المواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي لا تكون بالضرورة عن طريق استخدام السلاح. الاسرائيلي يبحث عن فلسطيني يستخدم السلاح والعمليات الانتحارية كي يتهرب من التسوية. هناك شعار يرفعه كل اسرائيلي لا يؤمن بالسلام. هذا الشعار الذي تمسك به ارييل شارون منذ اليوم الاوّل لوصوله الى السلطة في شباط- فبراير من العام 2001 هو الاتي: لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه. قامت كل استراتيجية شارون، الذي خلفه ايهود اولمرت ثم بنيامين نتانياهو، على هذه النظرية. لذلك من المهم اليوم قبل غد التأكيد ان الشعب الفلسطيني يسعى الى السلام وأن لديه مصلحة في السلام وأن السلام هدف بحد ذاته بالنسبة اليه. اكثر من ذلك، على الجانب الفلسطيني مممثلا بالسلطة الوطنية السعي الى الاستفادة من الفرصة المتاحة. هذه الفرصة هي اقتناع ادارة اوباما ومعها المجتمع الدولي بحل الدولتين. من بين الشروط التي لا بدّ من توافرها لتسهيل الوصول الى حلّ الدولتين اقتناع الفلسطينيين بما ردده أبو مازن منذ ما قبل انتخابه رئيسا للسلطة الوطنية في العام 2005 عن ان القرار القاضي بعسكرة الانتفاضة في اواخر العام 2000 عاد بالويلات على الشعب الفلسطيني. ما لا بدّ من الاشارة اليه هنا، انه كان على الفلسطينيين ان يحترموا منذ العام 2005 الموقف القاضي بالامتناع عن عسكرة الانتفاضة نظرا الى أن الرئيس الفلسطيني اعلن صراحة في البرنامج الانتخابي الذي طرحه على المواطنين، وفاز على اساسه بالرئاسة، رفضه للعنف والسلاح.
ثمة ملاحظة ثالثة في غاية الاهمية لا بدّ من الاشارة اليها. لم يؤد الكلام المعتدل الذي هيمن على اعمال المؤتمر الى التخلي عن الثوابت. في مقدم الثوابت ان حدود الدولة الفلسطينية تستند الى حدود 1967. وهذا يعني ان على اسرائيل الانسحاب من الضفة الغربية كلها. ليس مطلوبا رسم حدود الدولة الفلسطينية استنادا الى حدود المستوطنات الاسرائيلية كما يسعى الى ذلك بنيامين نتانياهو. حدود الدولة الفلسطينية هي حدود الضفة الغربية كما كانت عليه في العام 1967. وهذا يعني ان القدس الشرقية جزء من الاراضي المحتلة. وفي حال كان ضروريا اجراء تعديلات على حدود 1967، فإن عملية تبادل الاراضي ممكنة ولكن استنادا الى المبدأ الذي يؤكد ان التسوية تقوم على قرارات الشرعية الدولية، خصوصا القرار الرقم 242 الصادر عن مجلس الامن في العام 1967 ومبدأ الارض مقابل السلام.
كان مهما تمسك مؤتمر فتح بالثوابت. المهم في مرحلة ما بعد المؤتمر متابعة النضال من اجل تحقيق الهدف السامي المتمثل في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. وما قد يكون اهم من ذلك كله اعتماد الواقعية والاقتناع بأن المعركة مع اسرائيل لا يمكن ربحها عن طريق السلاح. لا دليل على ذلك افضل من نتائج الحرب الاخيرة التي تعرّضت لها غزة. قبل الحرب كان اطلاق الصواريخ مقاومة. بعد الحرب صار اطلاق الصواريخ خيانة. اذا كان من معنى لمؤتمر فتح، فإن هذا المعنى يتلخص بأن اسرائيل والاحتلال الذي تمثله وتجسده يواجهان قبل كل شيء بترتيب البيت الفلسطيني من داخل لا اكثر ولا اقل. نجاح المؤتمر يتوقف على مدى نجاحه في ذلك...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.