8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ليس مسموحاً بهفوة أميركية أخرى!

لا وجود لاسرار مع ادارة ادارة باراك اوباما. هذه الادارة، أقله الى الان، تعني ما تقوله. الدليل على ذلك، انه قبل نحو اربعة اشهر من انتخابه رئيسا، زار اوباما الشرق الاوسط. كانت له محطة في رام الله حيث التقى رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عبّاس (ابو مازن). وعد باراك اوباما الرئيس الفلسطيني بعمل كل ما يستطيع من أجل التوصل الى تسوية مع اسرائيل تقوم على حلّ الدولتين الفلسطينية والاسرائيلية. واكّد انه لن ينتظر حتى السنة الاخيرة من ولايته الثانية كي يباشر التركيز على المسار الفلسطيني- الاسرائيلي كما فعل جورج بوش الابن.
لم يخل الرئيس الاميركي بوعده. لم يمض اسبوع على توليه مهماته الرئاسية حتى كان لديه مبعوثه الخاص جورج ميتشل يتنقّل بين العواصم المعنية بالتوصل الى تسوية بين الفلسطينيين والاسرائيليين. اكتشف ميتشل ما لا حاجة الى عناء كبير لاكتشافه، اي حاجة الشرق الاوسط الى تسوية شاملة فزار دمشق مرتين والتقى الرئيس بشّار الاسد واعلن صراحة انه وراء سلام شامل على كل المسارات. سلام بين اسرائيل من جهة والفلسطينيين وسوريا ولبنان من جبهة اخرى. هل ينجح ميتشل في تحقيق ما يصبو اليه؟ الأكيد انه امام مهمة في غاية الصعوبة والتعقيد، خصوصا في ظل وجود حكومة اسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو تؤمن بديمومة الاحتلال وترفض عمليا مبدا الارض في مقابل السلام الذي يستحيل من دونه التوصل الى سلام عادل وشامل استنادا الى قرارت الشرعية الدولية على راسها القرار 242 الذي تعترف به كل الاطراف المعنية بالنزاع العربي- الاسرائيلي.
من الواضح ان اسرائيل تفعل كل ما تستطيع لافشال الادارة الاميركية الجديدة التي لم تتردد في اثارة مسالة المستوطنات التي اقيمت في الضفة الغربية من منطلق انها عقبة في طريق السلام وفي طريق حل الدولتين. ولا شك ان حكومة بنيامين نتنياهو ستبذل كل جهدها للاستفادة من هفوة ارتكبتها الادارة الاميركية، ربما عن حسن نية، عندما دعت الدول العربية الى الاقدام على مبادرات معينة تجاه اسرائيل في اطار ما يمكن وصفه بالتطبيع. هناك وعي لدى بعض العرب الذين يمتلكون حداً أدنى من الشجاعة لأهمية التأثير في الرأي العام الاسرائيلي. وبين هؤلاء رجل استثنائي هو ولي عهد البحرين الشيخ سلمان بن حمد ال خليفة الذي كتب أخيرا مقالا في غاية الاهمية عن هذه المسألة نشرته صحيفة واشنطن بوست. لكن ما لا يمكن تجاهله في الوقت ذاته ان الخطوة، او على الاصح، الهفوة الاميركية التي يفهم منها بانها محاولة لاعطاء انطباع بان الوسيط الاميركي يتحلى بالنزاهة ستستغل اسرائيليا لرمي الكرة في الملعب العربي لا أكثر ولا أقل. المؤسف ان الحكومة الاسرائيلية ستستخدم الموقف الاميركي للهرب من الموضوع الاساسي الذي اسمه الاحتلال. في النهاية، ان ما يعيق قيام دولة فلسطينية مستقلة هو الاحتلال قبل اي شيء آخر. هناك بكل بساطة رغبة اسرائيلية في تفادي اي ذكر لحدود العام 1967. المطلوب اسرائيليا ان تكون هناك دولة فلسطينية تُرسّم حدودها انطلاقا من حدود المستوطنات وليس من الحاجة الى قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة انطلاقا من حدود 1967.
لا شك ان هناك مسؤوليات تقع على عاتق العرب. لا شك ان هناك بين العرب وغير العرب في المنطقة من يراهن على حال اللاحرب واللاسلم المستمرة منذ التوصل الى اتفاق فك الارتباط السوري- الاسرائيلي في العام 1974، وهو اتفاق اغلق جبهة الجولان ونقل التركيز الى لبنان الذي يصر وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي على اعتباره ساحة لا أكثر. ولذلك لم يتردد متكي في دعوة العرب الى إرسال متطوعين الى لبنان لمواجهة أي هجوم اسرائيلي بدل التساؤل لماذا الجبهة السورية صامتة ولماذا يسعى النظام السوري الى استعادة أرضه المحتلة فعلا عن طريق الاميركيين او الاتراك، او انه على الاقل يتظاهر بانه مهتم بالاخذ والرد مع اسرائيل بغية الوصول الى صفقة مع واشنطن على حساب لبنان؟
ليس سرّا ان الادارة الاميركية الحالية في غير وارد عقد صفقة مع سوريا على حساب لبنان. هناك في الادارة مسؤولون يشغلون مواقع محورية يعرفون تماما ما هي السياسة السورية وما الذي تريده دمشق من لبنان. ولذلك، جدد الرئيس اوباما العقوبات في حق شخصيات سورية معينة على علاقة بطريقة او بأخرى بالتدخل في لبنان او بنشاطات ذات طابع غير سياسي يمارسها رؤوس النظام. ولكن لا بدّ من التنبه ايضا الى ان غير طرف في المنطقة يراهن على الوقت وعلى ان الوقت ليس في مصلحة الادارة الاميركية التي ستفقد خلال أشهر قليلة قدرتها على متابعة سياستها الشرق أوسطية بالزخم ذاته.
من هذا المنطلق، يبدو طبيعيا التعاطي مع الادارة الاميركية ببعض الحذر. هفوة اخرى من نوع التركيز على التطبيع قبل التأكيد ان المشكلة الاساسية في الاحتلال، ستكون كافية ليسقط الرهان على ان باراك اوباما سيكون قادرا على عمل شيء في الشرق الاوسط. نعم، ان التأثير في الرأي العام الاسرائيلي أمر في غاية الاهمية وقد تجاهل العرب هذا الامر طويلا وتركوا المبادرة لاعداء السلام في المنطقة كالنظام الايراني وادواته العروفة في لبنان وفلسطين. ولكن مالا بدّ من ان يتذكره كل من يسعى الى السلام والاستقرار في الشرق الاوسط ان ثمة حاجة الى سياسة أميركية متماسكة تسمي الاحتلال احتلالاً وتقول لاسرائيل ان هناك شريكا فلسطينياً يمكنها التفاوض معه في حال كانت راغبة فعلا في السلام... بدل الرهان على الوقت لتكريس الاحتلال!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00