كلما مر يوم يتبين أن مؤتمر فتح المقرر أن يباشر أعماله في الرابع من آب - الجاري في رام الله مؤتمر في غاية الأهمية. بل يمكن القول أنه مؤتمر حاسم، إن لـفتح نفسها أو للسلطة الوطنية الفلسطينية. هل من فتح بعد مؤتمر فتح؟... أم سيتبين أن الحركة عاجزة عن إعادة بناء نفسها وأن لا بدّ من البحث عن بديل منها في ضوء الحاجة إلى تنظيم قوي يدعم الحركة الاستقلالية الفلسطينية بعيدا عن الحساسيات والحسابات الشخصية التي حالت حتى الآن دون طرح المسائل الشائكة بشجاعة وتجرد؟
لا مجال لتقدم على صعيد إعادة بناء فتح من دون الاعتراف بحال الترهل التي تعاني منها الحركة والتي حالت دون الانتصار في الانتخابات التشريعية في العام 2006 كما أدت إلى نجاح الإنقلاب الذي نفّذته حماس في قطاع غزة منتصف العام 2007. إنه إنقلاب تتحمل مسؤوليته فتح ككل. ومن يسعى فيها إلى إلقاء المسؤولية على طرف معين، إنما يمارس عملية هروب إلى أمام لا هدف لها سوى التحايل على الحقيقة والواقع والامتناع عن الخوض في تفاصيل ما حصل تلافيا للقيام بعملية نقد للذات في العمق.
لا تعود أهمية المؤتمر إلى أنه الأول من نوعه الذي ينعقد منذ عشرين عاما فحسب، بل لأنه أيضا السبيل إلى إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وإيجاد نقطة ارتكاز للسلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة محمود عبّاس (أبو مازن). لا يمكن تجاهل أن أبو مازن يخوض حاليا معركة سياسية في غاية الأهمية بالنسبة إلى القضية الفلسطينية. في ضوء نتيجة هذه المعركة سيتبين ما إذا كان في استطاعة الفلسطينيين الحصول على دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف مع بعض التعديلات غير الأساسية على حدود الرابع من حزيران 1967. مثل هذه التعديلات أكثر من ضرورية نظرا إلى أنه لم يكن هناك رابط بين الضفة الغربية وغزة قبل الاحتلال الاسرائيلي في حرب الأيام الستة... هذه حقيقة لا مفر من مواجهتها في حال كان مطلوبا أن تشكل الضفة والقطاع كيانا سياسيا موحدا وألا تكون هناك دولة، أو شبه دولة فلسطينية، في الضفة وإمارة إسلامية طالبانية في القطاع. وهو ما يبدو أنه الهدف الذي تعمل من أجله حماس التي تركز أوّلا وأخيرا على تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني بدل النضال من أجل التخلص من الاحتلال الاسرائيلي. من لديه أدنى شك في هذا الكلام، أو يظن إنه مبالغات، يستطيع العودة إلى القرارات التي اتخذتها حماس أخيرا، بما في ذلك فرض نمط معين من السلوك على المواطن الفلسطيني أو على ممارسي مهن محددة في غزة.
باختصار شديد، ليس في استطاعة السلطة الوطنية الفلسطينية خوض المعركة السياسية الحالية من دون نقطة إرتكاز إسمها فتح. هل تلبي فتح النداء؟ يفترض أن تكون فتح قادرة على تلبية النداء وأن تستعيد دورها الطليعي مستفيدة من أخطاء الماضي القريب. وبين الأخطاء عدم انعقاد مؤتمر الحركة منذ عشرين عاما. صحيح أن ظروفا كثيرة في غاية التعقيد ساهمت في تغييب المؤتمر. ولكن ما لا بدّ من الإعتراف به أن كل الأعذار ليست كافية لتبرير حصر التنظيم في شخص ياسر عرفات، رحمه الله، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني الذي أصرّ في مرحلة معينة على اختزال فتح في شخصه. ما سهل على أبو عمار اختزال القرار الفلسطيني في مرحلة معينة غياب القادة التاريخيين، خصوصا بعد استشهاد أبو جهاد وأبو أياد اللذين كانا قادرين على اقامة توازن معين داخل الحركة ليس في استطاعة الزعيم الفلسطيني الراحل تجاهله.
الآن، ينعقد المؤتمر للمرة الأولى في غياب أبو عمّار. كذلك أنه المؤتمر الأول الذي ينعقد على أرض فلسطين. هل تكون فتح في مستوى الآمال المعلقة عليها؟ في النهاية إن طبيعة المعركة مع حكومة بنيامين نتانياهو تفرض على الشعب الفلسطيني أن يمتلك قيادة شابة نسبيا تتكلم بصوت واضح وبعقلانية على طريقة ما يفعله أبو مازن. الأهم من ذلك كله أن الإدارة الأميركية باتت مقتنعة بأن إيجاد تسوية في المنطقة أمر ضروري وأن حجر الزاوية في السلام الشامل هو قيام دولة فلسطينية مستقلة. وهذا يعني أن على الفلسطينيين أن يساعدوا أنفسهم أولا من أجل الإستفادة من الدعم الأميركي.
سيفتح مؤتمر فتح في حال نجاحه بتشكيل قيادة متجانسة تعرف كيف تستفيد من أخطاء الماضي، خصوصا من الخطأ القاتل الذي تمثل في عسكرة الانتفاضة في العام 2000 أثر فشل قمة كامب ديفيد بين الرئيس كلينتون وياسر عرفات وإيهود باراك، الباب واسعا أمام تحسن الوضع الفلسطيني. إنه خطوة كبيرة في إتجاه تأكيد الفلسطينيين أنهم قادرون على إعادة لملمة أوضاعهم وترتيب البيت الداخلي. أكثر من ذلك، سيظهرون أنهم جادون بالفعل في قطع الطريق على عملية تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية يطالب به بنيامين نتانياهو. من لديه حدّ أدنى من الوعي السياسي يدرك أن كل استراتيجية رئيس الوزراء الاسرائيلي مبنية على مقولة أن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه.
من الطبيعي أن يدرك المشاركون في المؤتمر حجم التحديات وأن يكونوا في مستوى هذه التحديات. في النهاية أن ما تحقق فلسطينيا حتى الآن نتيجة نضال طويل عمره نصف قرن خاضته فتح عسكريا وسياسيا. فشل مؤتمر فتح بمثابة عودة إلى نقطة الصفر. الضحية لن تكون الحركة وحدها بل القضية الفلسطينية ككل لا أكثر ولا أقلّ. أنه إلقاء لثمار سنوات من النضال والتضحيات في البحر. هذا ما هو على المحك في مؤتمر فتح.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.