بغض النظر عمّا اذا كان اسفنديار رحيم مشائي اضطر الى تقديم استقالته من منصب النائب الاول لرئيس الجمهورية ام لا، فان ان ما تشهده ايران منذ الانتخابات الرئاسية الاخيرة بداية تغيير كبير.
جاء هذا التطور الذي يتمثل في البحث في مستقبل نائب الرئيس الايراني الذي اختاره محمود احمدي نجاد لهذا الموقع، بعد يومين من خُطبة الجمعة التي ألقاها الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، الذي يعتبر عمليا الوريث الشرعي للامام الخميني والمحافظ على تركته والتراث الذي خلفه. لم يكتف رفسنجاني بالدعوة الى اطلاق المعتقلين اثر الاحداث الاخيرة، بل ذهب مباشرة الى طرح مشكلة النظام في ايران. قال صراحة، مستشهدا بالإمام الخميني، ان لا شرعية للنظام في حال لم يكن هناك تأييد شعبي له. اعتبر، مستندا الى الخميني الذي كان من اقرب الناس اليه، ان لم يكن الاقرب، ان مصدر الشرعية هو الشعب ولا وجود لما يسمى الشرعية الثورية. طرح رفسنجاني بشكل مباشر مسألة متعلقة بصلاحيات المرشد الذي هو حاليا اية الله علي خامنئي. لم يسم خامنئي في خطبته الجمعة الماضي ولم يتطرق على نحو مباشر الى نظرية ولاية الفقيه التي هي في اساس النظام المعمول به في إيران ولكن بدا واضحا من خلال اصراره على الاعتراض على مواقف خامنئي انه لا يؤمن بان المرشد معصوم استنادا الى نظرية ولاية الفقيه.
يظهر ان رفسنجاني، الذي لعب في الماضي دورا رئيسيا في وصول خامنئي الى موقع المرشد، بات يرى ان لا مجال للرضوخ لخامنئي من منطلق ان كلام الولي الفقيه غير قابل للنقاش وان على الايرانيين وغيرهم ممن يؤمنون بالنظرية ان يكونوا طائعين له طاعة عمياء. لذلك، جاءت دعوته الى مناقشة نتائج الانتخابات الرئاسية الاخيرة بمثابة تحد مباشر لـالمرشد وسلطته ولنظرية ولاية الفقيه برمتها، خصوصا انه سبق لخامنئي ان حسم نتيجة الانتخابات حسما لا لبس فيه. بالنسبة الى رفسنجاني، الحكم بين الناس هو القانون ولا شيء آخر غير القانون في حال كان مطلوبا المحافظة على الجمهورية الاسلامية في إيران. الحكم ليس المرشد خصوصا عندما يكون اسمه علي خامنئي.
تطرح الخُطبة المهمة التي ألقاها هاشمي رفسنجاني في صلاة الجمعة في طهران المشكلة الاساسية التي يعانيها النظام وتتلخص بسؤال في غاية البساطة: هل في الامكان اصلاح النظام من داخل؟ تصعب الاجابة عن السؤال ولكن ما يمكن قوله في المقابل إن التساؤلات التي طرحت في اثناء الحملة الانتخابية وبعد صدور النتائج والاعلان عن فوز محمود احمدي نجاد تكشف ان ايران تمر في مرحلة مخاض. كشفت التساؤلات وجود ازمة عميقة تشمل بين ما تشمل الدور الاقليمي لإيران. للمرة الاولى منذ قيام الثورة في العام 1979، هناك من يتساءل ما الذي تجنيه إيران من دعم حزب الله في لبنان او مجموعات معينة في فلسطين بدل الوقوف مع مؤسسات الدولة اللبنانية ومع الشرعية الفلسطينية ممثلة بالسلطة الوطنية. اكثر من ذلك، ظهرت تساؤلات في شأن التحالف القائم مع فنزويلا والمساعدات التي تقدم لبوليفيا والبحث المستمر عن عدو خارجي. وربما كان افضل تعبير عن مدى عمق الازمة التي يعانيها النظام ردّ المتظاهرين الموالين للمرشح الخاسر مير حسين موسوي بعد صلاة الجمعة في طهران على شعار الموت لأميركا الذي يطلقه المحافظون بشعار الموت لروسيا. بالطبع ليس هناك عداء لدى الشعب الايراني لروسيا. لكن مجرد اطلاق هذا الشعار يكشف ان المواطن العاديّ في إيران يدرك تماما ان شعار الموت لأميركا لا يطعم خبزا، خصوصا بعدما قرر الرئيس اوباما الانفتاح على طهران والتعاطي معها، في حال كان هناك بين كبار المسؤولين الايرانيين من يريد بالفعل الاخذ والرد مع الادارة الجديدة في واشنطن. لماذا على الايرانيين السفر في طائرات روسية قديمة تسمى في الشارع ملائكة الموت في حين تستطيع بفضل ما تملكه من عائدات الحصول على افضل الطائرات الاميركية والاوروبية؟ هل بقي مبرر لشعار الموت لأميركا بعد الانفتاح الذي أظهرته إدارة اوباما على كل المستويات؟
لعب الانفتاح الاميركي على طهران دورا ما في دفع الاصلاحيين الى مزيد من المواقف الجريئة. لكن ما قد يكون اهم من ذلك ان الشعب الايراني ممثلا بالجيل الشاب على وجه الخصوص استغل ما اسفرت عنه الانتخابات الرئاسية والنتائج التي ترتبت عليها والاعتراضات التي صدرت عن شخصيات لم تكن يوما معادية الجمهورية الاسلامية، كي يقول صراحة ما يجب ان يقال عن فشل النظام في وضع الثروات الايرانية في خدمة الشعب الايراني. تلك هي المشكلة المطروحة الان. انها قبل كل شيء مشكلة المواطن الايراني الذي يتوق الى ثقافة الحياة في حين ان النظام يمارس عملية هروب مستمرة الى امام عن طريق اختلاق اعداء خارجيين متهمين دوما بالتدخل في الشؤون الداخلية لإيران. هل هناك من خدمة قدمت لإيران اكبر من الخدمة التي قدمها الاميركيون عندما أسقطوا نظام طالبان في افغانستان والنظام العائلي- البعثي في العراق؟
اذا كان من خلاصة يمكن استنتاجها من الاحداث الاخيرة في إيران والاصرار الذي يبديه الاصلاحيون على متابعة المواجهة، فان هذه الخلاصة تتمثل في وجود رغبة في التغيير. هناك للمرة الاولى طرح في الشارع وعلى اعلى المستويات في الوقت ذاته لمشكلة اسمها النظام الإيراني. هل في الامكان إصلاح النظام ام لا بدّ من تغيير في العمق في إيران على غرار ما حصل في الاتحاد السوفياتي؟
الجواب في الأشهر القريبة. الأكيد ان تغييرا ما حصل في إيران. ما لا يزال غير واضح الى اي حد سيذهب الايرانيون في فرض التغيير. الثابت الوحيد انهم لا يريدون بقاء بلدهم معزولا تحت عقوبات اميركية وأوروبية. انهم يريدون الانتماء الى العالم الحضاري لا اكثر ولا اقل. مسألة بقاء مشائي في منصبه او اضطراره الى الاستقالة ليست مهمة بمقدار ما انها تعطي فكرة عن حال التجاذب داخل إيران وهي حال تمس مستقبل النظام وتكشف هل التغيير ممكن من الداخل ام لا؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.