كلما اقترب موعد المؤتمر السادس لحركة فتح المتوقع انعقاده في الرابع من آب- اغسطس المقبل في فلسطين وليس في مكان آخر كما جرت العادة في الماضي، تزداد شراسة الحملة التي تتعرض لها الحركة من جهات مختلفة. اكثر الجهات تضررا هي تلك التي ترفض القرار الفلسطيني المستقل وتعتبره مجرد بدعة. اما لماذا التركيز على فتح بالذات ومحاولة المتاجرة بدم الشهيد ياسرعرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني مجددا، فذلك عائد لسببين على الاقل. الاول ان مؤتمر فتح الذي ينعقد بعد تأخير استغرق عشرين عاما يمثل البوابة لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني. والواضح ان هناك غير طرف على استعداد للذهاب إلى النهاية في العمل من اجل اغلاق هذه البوابة، كون لا مصلحة لكثيرين في المنطقة في بناء النظام السياسي الفلسطيني الذي يضع الاسس لدولة مستقلة قابلة للحياة تؤمن للفلسطيني ممارسة حقوقه المشروعة مثله مثل اي مواطن في اي دولة شرق اوسطية.
اما السبب الآخر الذي يدعو إلى وضع العراقيل في طريق انعقاد المؤتمر، فهو عائد إلى ان فتح القوية الموحدة في ظل قيادة شابة، نسبيا، تمتلك وعيا سياسيا وحسا وطنيا، تمثل العامل الذي لا بد من وجوده لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية. بكلام اوضح، ان حماس ليست مهتمة بالوحدة الوطنية الفلسطينية ما دامت فتح ضعيفة وفي حال من التشرذم. تفضل حماس بكل بساطة بقاء فتح في حال من الوهن في انتظار اليوم الذي تجد فيه ظروفا مناسبة لتنفيذ انقلاب في الضفة الغربية على غرار ذلك الذي نفّذته في قطاع غزة قبل عامين وشهرين تقريبا.
هناك من لا يريد انعقاد مؤتمر فتح في المطلق نظراً إلى ان استعادة الحركة الفلسطينية الام وحدتها وحيويتها ودورها الطبيعي يحرم المتاجرين بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وقودا يستخدمونه في معاركهم الاقليمية وعملية الابتزاز التي تمارس على كل المستويات من أجل تحسين مواقع هؤلاء في الصفقات التي يحلمون بالتوصل اليها مع الاميركي أو الاسرائيلي... أو مع الاثنين معا. وهناك من لا يريد انعقاد مؤتمر فتح نظرا إلى ان استمرار حال الضياع على الصعيد الفلسطيني تصب في مصلحة تمكين حكومة بنيامين نتنياهو من القول ان لا شريك فلسطينيا يمكن التفاوض معه وأن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عبّاس (أبو مازن) ضعيف وأن ليس في الامكان التوصل إلى اي تسوية معه. والواقع ان فتح الضعيفة ضمانة لإسرائيل ومشروع تكريس الاحتلال على جزء من الضفة الغربية واستمرار القطيعة بينها وبين الامارة الاسلامية الحماسية إلى إبد الآبدين.
في ضوء هذه المعطيات التي تصب في ضرب المشروع الوطني الفلسطيني، كانت الحملة الاخيرة على مؤتمر فتح التي جُنّد لها اشخاص مثل فاروق قدومي عضو الجنة المركزية في فتح ورئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير. والحقيقة ان أبو اللطف ليس شخصا سيئا، لكن مشكلته انه لم ينضج سياسياً على الرغم من دخوله العقد الثامن من العمر. انه رجل طيب إلى درجة كان يقول بعد الاحتلال العراقي للكويت في العام 1990 انه اذا حاول الأميركيون اخراج صدام من الكويت سيحولهم إلى همبرغر، اي انه سيطحنهم. ما الذي يمكن توقعه من شخص يعتبر نفسه سياسياً لم يستوعب معنى المغامرة المجنونة التي اقدم عليها الرئيس العراقي الذي اعدم لاحقاً في الكويت المسالمة والانعكاسات السلبية لهذه المغامرة على القضية الفلسطينية خصوصا وعلى مجمل القضايا العربية وعلى الامن العربي عموماً؟ ان يهاجم شخص مثل أبو اللطف رئيس السلطة الوطنية ومحمد دحلان عضو المجلس التشريعي الفلسطيني وأن يتهمهما بالتآمر مع ارييل شارون من اجل التخلص من أبوعمار وسام على صدر أبومازن ودحلان. اكثر من ذلك، ان الحملة المضحكة- المبكية التي شنها القدومي على الرجلين، معتمدا وثيقة اقل ما يمكن ان توصف به انها مزوّرة، تعطي فكرة عن مدى تضايق المتاجرين بالقضية الفلسطينية من احتمال استعادة فتح وحدتها ودورها على الصعيد الوطني.
في الواقع، ان الطفل يدرك ان أبو اللطف يريد تصفية حساباته مع القيادة الفلسطينية بعدما وجد نفسه مهمشا ولا دور له بعدما اختار البقاء في تونس بحجة ان الاحتلال لا يزال جاثما على الضفة الغربية. كيف يمكن التخلص من الاحتلال من دون الوجود على الارض الفلسطينية؟ الم يكن صمود أبو عمّار على ارض فلسطين التحدي الاول للاحتلال؟ والاهم من ذلك، ان كل من عرف ياسر عرفات، رحمه الله، من كثب يعرف ماذا كان رأيه في أبو اللطف ومآخذه عليه وذلك على الرغم من انه حافظ على علاقة ذات طابع اجتماعي معه. كان رأي أبو عمار في أبو اللطف في غاية البساطة. كان يقول في جلساته الخاصة ان الرجل لم يستطع الخروج من حزب البعث السوري. ولهذا السبب اعتمد أبو عمار دائما على شخصيات فلسطينية اخرى على رأسها أبو مازن للخروج من الحلقة المغلقة والتقدم على طريق اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. ليس صدفة ان المجموعة التي وثق بها ياسر عرفات في السنوات الاخيرة من حياته لم تكن تضم أبو اللطف. هذه المجموعة هي التي اوصلت أبو عمار إلى فلسطين وإلى ان يدفن في رام الله. من قبره يدق ياسرعرفات ابواب القدس وأسوارها كل يوم. مؤتمر فتح الذي ينعقد للمرة الاولى في الداخل خطوة على طريق ابقاء القضية حية ودليل على وجود برنامج سياسي يقطع الطريق على الاحتلال الاسرائيلي بتأكيده ان الفلسطينيين يمتلكون من يمكن التفاوض معه... وأنهم ليسوا اصحاب شعارات فارغة لا علاقة لها بالواقع والموازين الاقليمية، شعارات لا هدف لها سوى خدمة الاحتلال والمتاجرين بالقضية!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.