عاجلا ام اجلا، سيشكل الرئيس المكلف سعد الدين رفيق الحريري حكومته بطريقة ترضي قبل اي شيء اخر طموحات اللبنانيين والمبادئ التي استشهد من اجلها رفيق الحريري ورفاقه وجميع اولئك الذين رووا ارض لبنان بدمهم. ستكون في لبنان حكومة ترضي كوكبة الشهداء من باسل فليحان الى النقيب سامر حنا مرورا بسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار امين الجميل ووليد عيدو وانطوان غانم واللواء فرنسوا الحاج والرائد وسام عيد وكل شهداء الجيش اللبناني وقوى الامن في مخيم نهر البارد وكل ارض لبنانية. لم يستشهد هؤلاء من اجل ان تشكل حكومة لبنان في دمشق او غير دمشق. هناك شهود ما زالوا احياء هم في الواقع شهداء احياء يعرف كل منهم من هي الجهة التي حاولت اغتياله وما هو ثمن العودة مجددا الى نظام الوصاية. هؤلاء هم مروان حماده والياس المر ومي شدياق والرائد سمير شحادة. هؤلاء يرفضون، مثلهم مثل جميع اللبنانيين الشرفاء الذين يرفضون ان يستخدموا في تغطية هذه الجريمة او تلك، اعادة عقارب الساعة الى خلف. هؤلاء يؤمنون بان لبنان قادر على الصمود. لو لم يكن قادرا على ذلك لما قاوم بنجاح الحلف الايراني- السوري ومرشحيه في السابع من حزيران الماضي، في يوم الانتخابات المجيد. انه يوم مجيد حقا كونه كشف حجم المؤامرة التي يتعرض لها الوطن الصغير وحجم الامكانات الموظفة في الانقلاب على الصيغة اللبنانية والذي يعتمد على اثارة الغرائز المذهبية وتجييشها في خدمة تغيير طبيعة المجتمع اللبناني واخضاع بيروت وكل منطقة من المناطق اللبنانية من النهر الكبير في الشمال الى الناقورة في الجنوب.
يكفي لبنان فخرا الانتصار الكبير الذي حققه سعد الحريري على صعيد الوطن بما يثبت وفاء اللبنانيين لرفيق الحريري وما يمثله. انه وفاء لمشروع الانماء والاعمار ومشروع العيش المشترك ومشروع مقاومة اسرائيل بواسطة لبنان المزدهر والعربي حقا وليس لبنان- قاعدة الصواريخ الايرانية والساحة التي يستخدمها النظام السوري في تصفية حساباته مع هذا البلد العربي او ذاك او لعقد صفقة من هنا او هناك مع الادارة الاميركية او مع اسرائيل... تحت شعار الممانعة!
كذلك، يكفي لبنان فخرا ان شابة لبنانية صادقة مع نفسها اسمها نايلة تويني تمثل القيم اللبنانية استطاعت ان تنهي تلك النكتة السمجة التي اسمها الجنرال. اكدت نايلة جبران تويني ان بيروت، وفي المقدمة، بيروت الاولى بمسيحييها ومسلميها لا يمكن الا ان تكون بيروت المقاومة. انها بيروت التي تقاوم ادوات المحور الايراني- السوري وادوات هذه الادوات التي لم يعد خطابها السياسي ينطلي على احد باستثناء الصغار الصغار الذين يؤمنون باستثارة الغرائز واطلاق الشعارات الفارغة معتمدين على الذاكرة القصيرة للمواطن. في النهاية، يعرف المواطن الذي يمتلك حدا ادنى من الوعي ان اكبر كمية من المسيحيين هاجرت بفضل حروب الجنرال ميشال عون التي انتهت بسلسلة من الهزائم للبنان واللبنانيين من كل المناطق والطوائف. ويعرف من يمتلك بعض الادراك ان اكبر كمية من اللبنانيين، خصوصا من المسيحيين، عادت بفضل مشروع الانماء والاعمار الذي باشره رفيق الحريري في العام 1992... واوقفه النظام السوري بفضل اميل لحود بين 1998 والسنة 2000.
لغة الارقام هي التي تتكلّم. من لديه ما يدحض الارقام يستطيع ان يقدم ما يمتلكه من حقائق بدل الاعتماد على المزايدات والكلام البذيء والاساءة الى شهداء الوطن عن طريق الايحاء بانهم كانوا ضحايا حوادث سير يتحملون شخصيا مسؤوليتها!
كلمة اخيرة للنظام السوري. العالم تغيّر. المنطقة تغيّرت. آن له ان يعي ذلك وان يتصرف بطريقة مختلفة. لو لم يتغير العالم والمنطقة، لكانت جريمة اغتيال رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما والجرائم الاخرى التي تلت هذا الحدث، مرت من دون محكمة ذات طابع دولي، لا مفر من ان تكشف الحقيقة غدا او بعده. لو لم يتغيّر العالم، لكانت جريمة اغتيال الحريري مرت مثلما مرت جريمة اغتيال كمال جنبلاط وبشير الجميّل ورينيه معوض والمفتي حسن خالد والشيخ صبحي الصالح والعشرات من اللبنانيين من مدنيين وعسكريين.
ليس طبيعيا ان يتصرف النظام السوري الساعي، على حد قوله، الى استعادة الجولان وكأن تشكيل حكومة لبنانية من اختصاصه وان عليه امتلاك الثلث المعطل في هذه الحكومة. يفترض في النظام في دمشق ان يتأكد ان انفتاح العالم عليه موقت في حال لم يتبع سياسة مختلفة في لبنان. لماذا ذلك الاصرار على التحالف مع اسوأ اللبنانيين من كل الطوائف والمناطق والفئات الاجتماعية وكأن اختيار الاسوأ بين اللبنانيين اختصاص سوري لا يمكن لأي جهة ان تنافسه عليه؟
بكلام اوضح، ان التصرف المختلف في لبنان سيقنع الادارة الاميركية التي تبذل دمشق كل ما تستطيع للتقرب منها، بما في ذلك عرض كل انواع الخدمات عليها، ان تغييرا ما حصل على اعلى المستويات السورية. لا يمكن لدمشق التي تدعي انها سهلت اجراء الانتخابات اللبنانية ولم تتدخل فيها العودة في الوقت ذاته الى السياسات القديمة التي مارستها في مرحلة ما قبل تشكيل الحكومات اللبنانية. صحيح ان هناك حسابات خاصة بـحزب الله الايراني في هذه المرحلة وان حسابات الحزب لا تتطابق بالضرورة مع الحسابات السورية في ضوء حاجة الحزب الى ضمانات خاصة به، لكن الصحيح ايضا ان النظام السوري امام امتحان. ان تصرفه في هذه المرحلة امتحان في حد ذاته. سيتبين قريبا هل تعلّم شيئا من تجارب الماضي القريب مع لبنان ام ينطبق عليه المثل القائل: من شبّ على شيء شاب عليه!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.