8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

حق العودة... الى أين؟

كلام كثير يقال هذه الايام عن التوطين، أي توطين الفلسطينيين في البلدان التي لجأوا اليها بعد نكبة 1948 وقيام دولة اسرائيل على ارض فلسطين. بعض هذا الكلام عن التوطين ومخاطره له ما يبرره وبعضه الآخر يدخل للاسف الشديد في لعبة المزايدات التي لا فائدة ترجى منها. بكلام اوضح انه كلام للمتاجرين بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني. هذا كلام حق يراد به باطل ليس الا... يراد به في احسن الاحوال ايجاد مبرر لحال اللاحرب واللاسلم المستمرة منذ عقود والتي تقتات منها جهات عربية وغير عربية واليمين الاسرائيلي الذي لا مصلحة له في السلام، أي سلام.
لعلّ اكثر ما يلفت في الامر، أي في العودة الى الكلام عن التوطين، خصوصا في لبنان، توقيت صدور الكلام. انه يأتي في وقت ظهرت للمرة الاولى منذ العام 1991، تاريخ انعقاد مؤتمر مدريد، مؤشرات الى جدية أميركية ما في التوصل الى تسوية بين الفلسطينيين والاسرائيليين. هذا لا يعني انه لم تبذل أي جهود خلال عهد الرئيس كلينتون بين العامين 1993 و2000 من اجل تحقيق تقدم والتوصل الى صيغة تسوية بين الجانبين، لكن الفارق يكمن الآن في ان ادارة باراك أوباما تبدو مستعدة، خلافا لادارة كلينتون، لممارسة ضغوط معينة على الاسرائيليين خصوصا في ما يتعلق بالاستيطان والمستوطنات. لم يسبق لأي ادارة أميركية ان اثارت جديا مع الاسرائيليين قضية الاستيطان والمستوطنات القائمة في الضفة الغربية باستثناء ادارة جورج بوش الاب. وقد دفعت هذه الادارة في حينه ثمنا غاليا بسبب موقفها من الاستيطان ومن التسوية عموما. دفعت الثمن عندما فشل بوش الأب في الحصول على ولاية رئاسية ثانية على الرغم من ان كل سياساته التي شارك في وضعها وزير خارجيته جيمس بايكر كانت ناجحة الى حد كبير.
عادت فزاعة التوطين الى الواجهة وكأن المطلوب وضع العراقيل في طريق الادارة الاميركية ودعم موقف حكومة بنيامين نتنياهو الساعية الى استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني من اجل القول انها تفاوض، أي تمارس لعبة التفاوض من اجل التفاوض كسبا للوقت فقط.
في حال كان هناك جانب عربي جدي يعتقد بالفعل ان السلام مصلحة عربية، فان اول ما على هذا الجانب عمله هو ايضاح موقفه من قضية التوطين ومما يسمّى حق العودة تحديدا. هل الهدف العربي اعادة كل الفلسطينيين الى كل فلسطين من دون القضاء على اسرائيل؟ الجواب ان من الطبيعي ان يسعى كل فلسطيني اقتلع من ارضه أكان ذلك من حيفا او يافا او تل ابيب او صفد او القدس او أي قرية من قرى الجليل النضال من اجل العودة يوما الى تلك الارض. ولكن هل هذا الهدف ممكن في ظل موازين القوى الاقليمية والدولية القائم حاليا، أم يجب التفكير بطريقة مختلفة استنادا الى الواقعية والتمييز بين ما هو قابل للتحقيق وما هو مجرد وهم. الرهان على الوهم لا يخدم سوى اسرائيل وسياسة الاحتلال ويحول دون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة التي يمكن ان تمنح جنسيتها لأي فلسطيني على وجه الارض. هذه الجنسية تحول حقيقة دون التوطين من جهة وتسهل من جهة اخرى الوصول الى حلول لقضية اللاجئين الذين يعيشون منذ ما يزيد على ستين عاما في ظروف لا تليق بالانسان.
لا شك ان قضية اللاجئين قضية شائكة. يكفي التمعن في نص القرار الرقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة في العام 1948 للتاكد من ذلك. قبل كل شيء القرار المذكور ليس ملزما. الاهم من ذلك كله انه ليس قرارا واضحا نظراً الى انه يترك مجالا كبيرا لتأويلات وتفسيرات تتعلق بـحق العودة او الحصول على تعويضات كبديل من ذلك، اضافة الى انه يشير بطريقة عامة الى جميع اللاجئين في المنطقة، أي انه يأخذ في الاعتبار وجود يهود غادروا دولا عربية الى اسرائيل متخلين عن أملاكهم وممتلكاتهم في تلك الدول...
من اجل عدم السقوط في الفخ الاسرائيلي عن طريق الحديث عن حق العودة في المطلق، يفترض في الجانب العربي التأكيد مجددا انه يدرك التعقيدات الناجمة عن قضية اللاجئين ولهذا السبب ورد في مبادرة السلام التي اقرتها قمة بيروت في العام 2002 الآتي: التوصل الى حل عادل لمشكلة اللاجئين يتفق عليه وفقا لقرار الجمعية العامة للامم المتحدة الرقم 194. بكلام اوضح، يبدو الجانب العربي عموما والفلسطيني تحديدا مدعواً الى تحديد الى أين ستكون العودة؟ انه مدعو الى القول ان حق العودة يكون الى الدولة الفلسطينية من دون تجاهل لمسألة لمّ شمل العائلات، أي حق العودة لبعض الفلسطينيين الى اراضي العام 1948. السؤال في النهاية هل هناك مصلحة عربية في السلام القائم على تسوية معقولة ومقبولة ستتضمن من دون شك مقدارا كبيرا من الظلم في حق اهل فلسطين؟ ولكن مرة اخرى هل يريد العرب تسوية مع اسرائيل أم يعتقدون ان في استطاعتهم القضاء عليها؟ من يرى ان هناك مصلحة في تسوية وان ثمة فرصة لتحقيق انجاز ما بفضل ادارة أوباما، ربما عليه الحديث عن حق العودة مع اضافة كلمتي الى أين لدى التطرق الى موضوع اللاجئين. في ذلك، اكبر خدمة للاجئين ورفض للمتاجرة بهم الى ما لا نهاية... في سبيل عرقلة أي تسوية من أي نوع كانت.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00