الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني في القاهرة مجرد أضافة للوقت، أقله الى الآن. الدليل على ذلك أن الجانبين المشاركين في الحوار، اي فتح و حماس لم يجدا مخرجاً مناسباً لكل منهما سوى تأجيل الحوار أربعة اسابيع، إلى الخامس والعشرين من تموز الجاري. جاء التأجيل وسط أجواء من التفاؤل بشّر بها الوفدان المشاركان في الحوار وكأن أعجوبة ما ستحصل. هل من أعجوبة تمنّ بها السماء في الأسابيع الأربعة المقبلة فتصفى القلوب وينصرف الطرفان إلى البحث في كيفية مواجهة الاحتلال الاسرائيلي بما يضمن انسحابه من الضفة الغربية تمهيداً لقيام الدولة المستقلة... أم ان زمن العجائب ولّى إلى غير رجعة؟
لا ينقذ الحوار الفلسطيني الكلام الذي ينطوي على مقدار ما من التفاؤل. التفاؤل شيء والحقائق على الأرض شيء آخر. لا ينقذ الحوار سوى اقتناع حماس بأنها لا تستطيع شطب ما يزيد على ستة عقود من النضال الوطني توجّت في العام 1988 بإعلان قيام دولة فلسطين من الجزائر في أثناء انعقاد المجلس الوطني استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية. هناك برنامج وطني فلسطيني لا يمكن تجاهله. تستطيع حماس رفض البرنامج الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية والإعلان في الوقت ذاته عن قبولها بدولة فلسطينية مستقلة حدودها الأراضي المحتلة في العام 1969، أي الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية. ولكن هل هذا ممكن من دون مفاوضات مع المحتل الإسرائيلي ومن دون اعتراف متبادل على غرار ما حصل بموجب اتفاق أوسلو؟ هناك ربما، نواقص كثيرة في أتفاق أوسلو، الموقّع في العام 1993 في حديقة البيت الأبيض، ولكن ما لا يمكن تجاهله أن الاتفاق تضمن اعترافا متبادلا بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. وهذا في حد ذاته إنجاز فلسطيني كبير نظرا إلى أنه يعني عمليا أن إسرائيل تعترف عمليا بشرعية النضال الفلسطيني الذي تجسده منظمة التحرير. وهذا الاعتراف المتبادل هو الذي جعل اليمين الإسرائيلي الذي يمثله بنيامين نتنياهو وآخرون إلى شن حملة على اتفاق أوسلو، وعمل المستحيل من أجل إسقاطه. وقد ساعدت حماس إلى حد كبير في ذلك إذ أدت في مرحلة معينة، ولا تزال إلى الآن، تلعب للأسف الشديد دورا في دعم رافضي أوسلو داخل إسرائيل نفسها. مَن في حاجة إلى دليل على ذلك يستطيع أن يطرح على نفسه السؤالين الآتيين: في مصلحة مَن صبّت العمليات الانتحارية الفلسطينية؟ في مصلحة مّن صبّ الانقلاب الذي نفذته حماس في قطاع غزة قبل عامين؟ الجواب بكل بساطة أن الاحتلال كان المستفيد الأول من العمليات الانتحارية، كما أنه المشجع الأول على بقاء الإمارة الإسلامية التي أنشأتها حماس في غزة وتكريس الانفصال بين الكيانين الفلسطينيين.
بدل أن يفرح المسؤولون في فتح بالأجواء التفاؤلية التي سادت جلسات الحوار الأخيرة مع قياديين من حماس في القاهرة، يفترض بهم الانصراف منذ الآن إلى إعداد أنفسهم للمرحلة المقبلة من منطلقات مختلفة. في مقدم هذه المنطلقات المؤتمر العام السادس لـفتح المقرر عقده في بيت لحم، أي على الأرض الفلسطينية في الرابع من آب المقبل. يرتدي هذا المؤتمر أهمية خاصة. هذه الأهمية ليست عائدة الى القرار الشجاع الذي اتخذه رئيس السلطة الوطنية السيد محمود عبّاس (أبو مازن) والقاضي بعقد المؤتمر على الأرض الفلسطينية فحسب، بل لأن المؤتمر يمثل المدخل لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني أيضا. بكلام أوضح، ان المؤتمر يمثل الأمل الوحيد لاستعادة الوحدة الوطنية والتوصل الى صيغة تفاهم في العمق مع حماس. ما دامت فتح ضعيفة، لن يكون هناك ما يشجع حماس على الإقدام على أي خطوة في اتجاه استعادة الوحدة الوطنية. قوة فتح مصدر اتفاق مع حماس وليس أجواء التفاؤل المصطنعة التي يروجها بعض السذّج في فتح الذين لا همّ لهم سوى الظهور أمام الكاميرات والإدلاء بتصريحات تنمّ عن جهل تام بـحماس والأهداف الحقيقية للحركة وأولوياتها. حماس تضع الاستحواذ على السلطة والسيطرة على الضفة الغربية فوق العمل الجدي من أجل التخلص من الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة.
في ضوء هذه المعطيات، في مقدمها غياب أي مصلحة لـحماس بأن تكون فتح قوية، يفترض في الفتحاويين العمل منذ الآن على إنجاح المؤتمر الذي سيواجه محاولات لعرقلة عقده. لا شك أن حماس ستفعل كل ما تستطيع لمنع الكوادر التي ستشارك في المؤتمر من مغادرة غزة. ستتذرع بعدم إطلاق معتقليها في الضفة الغربية كي تؤكد أن القطاع سجن كبير، وكأنه لا يكفي الغزّاويين الحصار الإسرائيلي الظالم!
من الآن، أمام الفتحاويين واجب انجاح المؤتمر في ضوء القرار التاريخي الذي اتخذه أبو مازن بعقده في الداخل كي يعود القرار الفلسطيني إلى الوطن وليس إلى المتاجرين بالقضية الفلسطينية والساعين إلى استخدام الشعب الفلسطيني وقودا في معاركهم الإقليمية. عليهم أن يتذكروا دائما أن فتح هي الأمل نظرا إلى أنها تجسد القرار الفلسطيني المستقل. عليهم أن يتذكروا أن عقد المؤتمر في الداخل، على أرض فلسطين، ضمانة لمنع صدور قرارات فلسطينية يمكن وصفها بقرارات لاجئة تعبّر عن مصلحة هذا الطرف العربي أو غير العربي أو ذاك. نجاح مؤتمر فتح أهم بكثير من نجاح الحوار مع حماس. لا لشيء سوى لأن حماس لن تفاوض بشكل جدي في ظل خلل في موازين القوى، أي عندما تكون فتح ضعيفة. ستعمل، في هذه الحال، كل ما في استطاعتها لكسب الوقت لعل وعسى يأتي يوم تضع فيه الضفة الغربية تحت سلطتها، تماما كما فعلت في غزة!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.