8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

إدارة أوباما جدية في البحث عن تسوية

كان ارجاء الاجتماع المقرر في باريس بين المبعوث الرئاسي الاميركي الى الشرق الاوسط السناتور السابق جورج ميتشل ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو خطوة في الاتجاه الصحيح. يمكن القول انها في الاتجاه الصحيح في حال كان هناك من يرى فعلا ان للجانب العربي عموما والفلسطيني خصوصا مصلحة في تسوية معقولة ومقبولة مبنية على خيار الدولتين على ارض فلسطين.
للمرة الاولى منذ العام 1991 تثبت ادارة اميركية انها جادة في العمل من اجل تحقيق تسوية في الشرق الاوسط. كانت المرة الاخيرة التي يظهر فيها رئيس اميركي حزما في التعاطي مع الرهان الاسرائيلي على الوقت، من اجل التهرب من استحقاقات التسوية، في اثناء الاستعداد لحرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي. التحرير تحقق فعلا في شباط - فبراير من العام 1991. استمر الحزم الاميركي مع اسرائيل عندما قررت ادارة جورج بوش الاب- جيمس بايكر عقد مؤتمر مدريد. وقتذاك حصل تطور في غاية الاهمية تمثل في طريقة تعاطي الادارة الاميركية مع اسرائيل بصفة كونها دولة من دول المنطقة تعتمد على النفوذ الاميركي والقوة العسكرية الاميركية وتنفذ ما تطلبه منها واشنطن من دون وضع شروط او طرح تساؤلات او اي اخذ ورد.
في تلك المرحلة، اي في اثناء التحضير للحرب ثم الاعداد لمؤتمر مدريد، شكت اسرائيل من افتقادها لشبكة صواريخ تحميها من الصواريخ العراقية من نوع سكود. جاء عسكريون اميركيون الى اسرائيل مع بطاريات صواريخ باتريوت للتصدي للصواريخ العراقية. للمرة الاولى منذ قيام دولة اسرائيل على ارض فلسطين، كان هناك ضباط وجنود غير اسرائيليين يتولون مهمة الدفاع عن اسرائيل. كان ذلك بمثابة عمل رمزي لا اكثر ينطوي على ابعاد في غاية الاهمية. بكلام اوضح، ابلغت الادارة الاميركية اسرائيل ان عليها البقاء خارج حرب تحرير الكويت وان مسألة اخراج العراقيين من الكويت مهمة تحالف دولي ليس مسموحا لاسرائيل ان تكون عضوا فيه. التزمت حكومة اسحق شامير، رئيس الوزراء الاسرائيلي وقتذاك، التعليمات الاميركية بحذافيرها. ولما جاءت مرحلة الاعداد لمؤتمر مدريد، سعى شامير الى التملص من اي التزام نظرا الى ان همه كان محصورا في التفاوض من اجل التفاوض فيما عملية بناء المستوطنات في الضفة الغربية مستمرة. عندئذ قررت ادارة بوش الاب التحرك وجمدت مبالغ كان الاسرائيليون ينوون استخدامها في بناء مستوطنات جديدة. ما حصل باختصار شديد، ان شامير جُرّ جرّا الى مؤتمر مدريد الذي انعقد استنادا الى قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الارض في مقابل السلام.
كم يشبه ما نشهده اليوم من تطورات ما شهدناه في العام 1991... هناك ادارة اميركية تدرك ان التسوية غير ممكنة من دون وقف الاستيطان وان لا مكان لدور اسرائيلي على الصعيد الاقليمي خارج المظلة الاميركية، وهناك حكومة اسرائيلية تصر على الاستيطان وعلى التفاوض في الوقت ذاته بهدف كسب الوقت والتصرف على الصعيد الاقليمي كأنها قوة عظمى. الم يقل اسحق شامير في اثناء مؤتمر مدريد ان اسرائيل ستدخل المفاوضات، ما دامت مضطرة الى ذلك، وستجعلها تستمر عشر سنوات تخلق خلالها وقائع جديدة على الارض؟
ليس صدفة ان نتنياهو كان الناطق الرسمي باسم الوفد الاسرائيلي في مؤتمر مدريد. ربما تعلم من دروس الماضي وربما لم يتعلم. السؤال هل تعلم من ان حكومة شامير سقطت بسبب الضغط الاميركي... ام ان كل ما بقي في ذهنه من تلك المرحلة ان اسرائيل راهنت على فشل عملية السلام، على الرغم من انعقاد مؤتمر مدريد والتوصل الى اتفاق اوسلو، وان ذلك سمح لها بكسب الوقت ومتابعة عملية الاستيطان؟
انتقم المتطرفون في اسرائيل من بوش الاب ووزير خارجيته جيمس بايكر عندما اسقطوا الاول في انتخابات الرئاسة في العام 1992. لم يتمكن بوش الاب من الحصول على ولاية ثانية بسبب اللوبي الاسرائيلي الذي عرف كيف يحاربه من اجل منعه من الاقدام على اي خطوة تصب في اتجاه عرقلة الاستيطان وتحقيق تسوية. السؤال الان هل تذهب ادارة اوباما بعيدا في المواجهة مع حكومة نتنياهو؟ لا شك ان المؤشرات تبدو ايجابية، اقله الى الان، خصوصا ان الرئيس الاميركي لم يكتف بما ورد في الخطاب الاخير لرئيس الوزراء الاسرائيلي والذي تضمن اشارة الى خيار الدولتين. رحب اوباما بالخطاب، لكن قراره القاضي بالغاء الاجتماع بين ميتشيل ونتنياهو في باريس، يشير الى انه يدرك ان لا تسوية من دون معالجة جذرية لقضية الاستيطان. الواضح ان هذا الرأي رأي وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ورأي ميتشيل نفسه ايضا الذي سبق له ان اشار الى خطورة استمرار عملية الاستيطان في التقرير الذي وضعه في العام 2001 عندما ارسلته ادارة بوش الابن الى المنطقة لمعالجة ذيول انهيار المفاوضات بين الاسرائيليين والفلسطينيين.
ما يبعث على التفاؤل، ولو ضمن حدود معينة، ان ادارة اوباما ستتابع الضغط على حكومة نتنياهو وان اسرائيل تدرك قبل غيرها ان ليس في استطاعتها مواجهة ما تسميه الخطر الايراني من دون المظلة الاميركية. بكلام اوضح، لا تمتلك اسرائيل القدرة على امتلاك سياسة خاصة بها بالنسبة الى ايران. عليها بكل بساطة ان تأخذ في الاعتبار الاجندة الاميركية على الصعيد الاقليمي ككل. ليس في امكانها اختيار ما يناسبها من الاجندة ورفض ما لا يناسبها. تبين الى الآن ان اوباما يتصرف بفعالية اكبر بكثير من تلك التي تصرف بها سلفه بوش الابن مع النظام الايراني. قال بوش الابن كلاما كبيرا ولم يفعل شيئا. تحدث اوباما بهدوء فتردد صدى كلامه في كل انحاء ايران حيث لا تزال تفاعلات زلزال الثورة المخملية في بداياتها!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00