ما الذي يمكن قوله في الذكرى السنوية الثانية للانقلاب الذي نفذته حماس في غزة. يبدو، أقله إلى الآن، ان الحركة متمسكة بالانقلاب وبمفاعيله، كأن الاستيلاء على قطاع غزة هدف بحد ذاته وكأن المطلوب تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني في القطاع لا أكثر تمهيداً لنقل التجربة إلى الضفة الغربية في مرحلة لاحقة. ترافقت محاولة تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني مع العمل في الوقت ذاته على وضع العصي في طريق أي مبادرة تقدم عليها السلطة الوطنية في إتجاه قيام الدولة المستقلة. لكن الملفت في الأيام القليلة الماضية كان سعي حماس إلى فتح حوار مع الادارة الاميركية عن طريق الرئيس جيمي كارتر عراب اتفاقي كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل. في حال كان التاريخ سيذكر كارتر في شيء فأنه سيذكره بصفة كونه لعب الدور الاساسي في التوصل إلى معاهدة السلام بين مصر، وهي أكبر دولة عربية، من جهة وإسرائيل من جهة أخرى في آذار - مارس من العام 1979 أي بعد ستة أشهر من توقيع اتفاقي كامب ديفيد. فجأة صار جيمي كارتر بمثابة خشبة خلاص بالنسبة إلى الفلسطينيين، علما بأنه ليس أكثر من سياسي ساذج يبحث عن دور ما...
يتبين اليوم ان المأزق الذي تعاني منه حماس من النوع الذي لا يمكن الخروج منه إلا عن طريق البحث عن مخرج. عليها البحث عن مخرج ما بعد انسداد كل الابواب في وجهها بما في ذلك باب اطلاق الصواريخ من القطاع. كانت هذه الصواريخ إلى ما قبل فترة قصيرة بمثابة مقاومة. الان صار اطلاق الصواريخ بقدرة قادر خيانة. ما الذي تغير بين ليلة وضحاها. هل كانت بحاجة إلى ألف وأربعمئة شهيد فلسطيني وتدمير لربع البنية التحتية في غزة كي يصير اطلاق الصواريخ التي وصفها رئيس السلطة الوطنية محمود عباس (أبو مازن) عن حق بـالعشوائية فعل خيانة. الاكيد أن المخرج لا يكون عبر فتح حوار مع الولايات المتحدة بحجة أن هناك ادارة أميركية جديدة أقل سوءا من الادارة السابقة. لا معنى لأن يزور كارتر غزة حاملاً عرضاً خطياً لـحماس، وهو عرض غامض إلى حد كبير نظراً إلى أنه ليس مضموناً أنه عرض أميركي رسمي، كي تشعر حماس بأنها كانت على حق في تنفيذ الانقلاب الذي كلف الفلسطينيين وقضيتهم الكثير بما في ذلك إيجاد كيانين فلسطينيين مستقل كل منهما عن الآخر بشكل تام. ما أسفر عنه الانقلاب الذي وقفت خلفه قوى خارجية، على رأسها إيران، لا همّ لها سوى المتاجرة بالشعب الفلسطيني وقضيته، أنه وفّر لإسرائيل الفرصة لشنّ حرب وحشية على القطاع من جهة والتهرب من أي مفاوضات جدّية من جهة أخرى بحجّة أن لا وجود لموقف فلسطيني موحد أولاً وبأن هناك من يريد إزالة إسرائيل من الوجود ثانياً.
ستستمر حماس غارقة في أزمتها. جيمي كارتر صار من التاريخ. جيمي كارتر رمز لاتفاقي كامب ديفيد. جيمي كارتر عنوان للفشل الأميركي في التعاطي مع الثورة الإيرانية في العام 1979 ثم مع أزمة رهائن الديبلوماسيين الأميركيين التي تلت الثورة. يفترض في حماس أن تتذكر أن الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني ياسر عرفات، رحمه الله، كان يُستقبل في البيت الابيض وكان في العام 2000 أكثر من زار مقر الرئاسة الاميركية بين زعماء العالم. لا حاجة إلى إضاعة الوقت عن طريق كارتر أو غير كارتر. في حال كانت حماس تريد أن تكون جزءاً من الحل بدل الرهان على عامل الوقت، وعلى كارتر، بحثا عن مخرج، ليس أمامها سوى الاعلان صراحة أنها تقبل بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي تنادي به السلطة الوطنية برئاسة أبو مازن وتلتزمه الحكومة التي يرأسها الدكتور سلام فيّاض. السؤال المطروح ليس مرتبطاً بحوار حماسي- أميركي أو حماسي- أوروبي. السؤال هل تضغط ادارة أوباما ما فيه الكفاية لفرض تسوية تقوم على خيار الدولتين إستنادا إلى قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الارض في مقابل السلام؟
ما يفترض أن يدركه كل من يتعاطى من قريب أو بعيد بالموضوع الفلسطيني أن هناك أسساً لحل توصل اليها الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي في مفاوضات طابا التي تلت فشل قمة كامب ديفيد الفلسطينية الإسرائيلية - الأميركية صيف العام 2000. توصل الجانبان وقتذاك إلى حلول تشمل ما يزيد على ثمانين في المئة من المسائل التي هي موضع خلاف. في الامكان تحقيق تسوية خصوصاً أن البحث في طابا تناول قضيتي القدس واللاجئين الشائكتين. ليس مطلوباً من حماس الاعتراف بإسرائيل بمقدار ما أن المطلوب التخلي عن أوهام من نوع أن الوقت وقت الحوار بينها وبين الولايات المتحدة. ماذا يعني مثل هذا الحوار؟ ماذا حتى أذا دخل خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـحماس إلى البيت الابيض؟ هل أن مثل هذه الخطوة تقدم أو تؤخر؟ هل تريد حماس حلاً أم تريد مخرجاً من أزمتها؟ في النهاية هل في استطاعة الجانب الفلسطيني التوصل إلى صيغة للتسوية أفضل من تلك التي توصل اليها مع الإسرائيليين في طابا أواخر العام 2000 وبداية العام 2001؟ الأهم من ذلك كله، إلى أي حد ستذهب ادارة أوباما في إقناع إسرائيل بأن التسوية ممكنة وان نقطة الانطلاق ما توصل إليه الجانبان في طابا. كل ما عدا ذلك إضاعة للوقت نظراً إلى أن كارتر ليس أكثر من رئيس سابق يصلح لمراقبة إنتخابات هنا أو هناك أو هنالك وصندوق بريد لرسائل جدية توجه إلى الإدارة. هل من رسالة جدّية تستطيع حماس توجيهها باستثناء قبول البرنامج السياسي الفلسطيني من دون قيد أو شرط؟ هل هناك حاجة إلى رئيس أميركي سابق للإقدام على مثل هذه الخطوة المفيدة؟ التواضع ضروري بين الحين والآخر، خصوصاً أنه لا يمكن بناء انتصارات سياسية على هزائم عسكرية...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.