8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل لا يزال لرفسنجاني وزن في اللعبة الداخلية؟

تحولت الانتخابات الايرانية مواجهة بين المرشد علي خامنئي ورئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني الذي يعتبر من القادة التاريخيين في ايران ما بعد الثورة التي اطاحت نظام الشاه. هذا ما يمكن استنتاجه من النصر الكبير الذي حققه محمود احمدي نجاد. لا يعود الاستنتاج الى ان النصر الكبير مشكوك فيه، نظرا الى ان اهالي المدن الكبيرة، وعلى رأسها طهران صوتوا علنا لمنافس احمدي نجاد وهو الاصلاحي مير حسين موسوي فحسب، بل لان شرخا عميقا ظهر ايضا على صعيد القيادة وذلك للمرة الاولى منذ وفاة الامام الخميني قبل عشرين عاما. تمثل هذا الشرخ في الدعم الواضح الذي قدمه المرشد لاحمدي نجاد من جهة والموقف الحاد الذي اتخذه رفسنجاني، الرئيس السابق للجمهورية والرئيس الحالي لمجلس الخبراء الذي ينتخب الولي الفقيه ويراقب نشاطه، من الرئيس الايراني الجديد- القديم.
اعتبر رفسنجاني، الذي ينظر اليه الايرانيون بصفة كونه ثاني اقوى رجل في النظام، ان نتائج خطيرة يمكن ان تترتب على اعادة انتخاب احمدي نجاد رئيسا للجمهورية. فبعدما ركز الاخير طوال حملته الانتخابية على رفسنجاني وافراد عائلته بصفة كونهم رموزا للفساد، وجه رئيس مجلس الخبراء رسالة الى خامنئي اشار فيها الى انه يتعرض لضغوط قوية من الشارع كي يرد على احمدي نجاد. لم يكتف بذلك، بل ذكّر المرشد بانهما (رفسنجاني وخامنئي) اخر من تبقى من الرعيل الاول (للثورة)، وهو الرعيل الذي رافق الامام الخميني. وخلص الى القول انه اذا لم يضع خامنئي حدّا لتصرفات احمدي نجاد وذلك من باب الحرص على الثورة، فان الشارع يمكن ان ينفجر.
جاءت رسالة رفسنجاني الى خامنئي قبل اعلان نتائج الانتخابات التي قرر المرشد اعتمادها وذهب الى حد شكر الايرانيين على تجديد ثقتهم باحمدي نجاد. بكلام اوضح، قرر خامنئي تحدي رفسنجاني. وهذا يدعو الى التساؤل هل مسموح له الذهاب بعيدا في ذلك وهل لا يزال رفسنجاني يمثل شيئا على صعيد النظام... ام ان الولي الفقيه بات يشعر بانه قادر على تجاوز كل التوازنات الداخلية التي كان معمولا بها في الماضي واحتكار السلطة معتمدا على الحرس الثوري؟
كان ملفتا ان الحرس الثوري لم يتخذ موقفا محايدا خلال الحملة الانتخابية. حذر من ثورة مخملية لتغيير النظام في ايران. واضطر لاحقا الى التراجع وسحب التحذير مؤكدا انه لا يتدخل ولن يتدخل في الانتخابات الرئاسية. لم يكن ذلك كافيا لتبديد المخاوف من ضغوط يمارسها الحرس لمصلحة احمدي نجاد. فقد اتهم موسوي الحرس بالتدخل عن طريق سحب الاوراق المخصصة للاقتراع من اقلام معينة وذلك قبل اغلاق الصناديق. كذلك اتهمه بتوزيع حبر يذوب بسرعة في بعض الاقلام النائية بغية تمكين عدد من المواطنين من الاقتراع اكثر من مرة.
يفترض في الخلاف القئام بين خامنئي ورفسنجاني ان لا يخفي ما هو اهم من ذلك بكثير اي العلاقة بين ايران ومحيطها، خصوصا المحيط العربي، من جهة والعلاقة بينها وبين المجتمع الدولي من جهة اخرى. في حال كان مطلوبا الخروج باستنتاج سريع وبديهي في الوقت ذاته، يصح القول ان النظام الايراني اختار التصعيد. كان انتخاب مير حسين موسوي رئيسا سيسمح بالتساؤل هل هناك نية للانفتاح على الولايات المتحدة والبحث في تفادي اي مواجهة بسبب البرنامج النووي وتخفيف الاحتقان بين طهران وبعض العواصم العربية؟
من الواضح ان النظام في ايران بعث برسالة سلبية الى ادارة اوباما والى الاوروبيين وحتى الى بعض العرب. ما لا يمكن تجاهله ان طهران المستقوية بالانتصار الذي حققته في العراق بفضل الحرب الاميركية التي شنت في العام 2003 على هذا البلد، صعدت حديثا في مواقفها من البحرين ولبنان ومصر وقطعت الطريق على اي مفاوضات في شأن الجزر الاماراتية الثلاث المحتلة منذ العام 1971. اضافة الى ذلك كله، باتت طهران تتصرف من منطلق انها ممسكة بالورقة الفلسطينية عبر امساكها بـحماس... التي سارعت الى التهليل لاحمدي نجاد غير مدركة ان الدعم الايراني لم يأت على الفلسطينيين وقضيتهم سوى بالكوارث بما في ذلك تعزيز الانقسام الداخلي، اقله الى الان.
هل تعتبر ايران ان الوقت يعمل لمصلحتها وان هذا ليس وقت التخلي عن رجل لا يتقن سوى لغة التحدي مثل محمود احمدي نجاد؟ انه المنطق الذي قاد الى اعادة انتخاب الرجل رئيسا للجمهورية على الرغم من الرغبة الواضحة في التغيير لدى اكثرية الايرانيين. هل يصمد هذا المنطق في مواجهة الشارع الايراني ومراكز القوى، وعلى رأسها ما يمثله هاشمي رفسنجاني وغيره؟ يبدو ان علينا الانتظار بعض الوقت لمعرفة مدى الاستياء الشعبي من بقاء محمود احمدي نجاد في السلطة. فالرجل لا يمثل المحافظين فقط، بل يرمز في الوقت ذاته الى سياسة هجومية تستند الى ان ايران كانت المنتصر الوحيد من الحرب الاميركية على العراق وان هناك فراغا في المنطقة لا بدّ من ملئه. ايا يكن الجواب على هذه التساؤلات، يبدو جليا ان الحدث الايراني من النوع الذي لا يمكن الاستخفاف به. اذا استطاع خامنئي فرض احمدي نجاد، معنى ذلك ان الخريطة السياسية الداخلية في ايران تغيرت جذريا ولم يعد مكان لاي براغماتي على استعداد حتى لشراء الوقت مع الاميركيين ومع المجتمع الدولي. اما اذا استمرت التظاهرات والاحتجاجات، نكون امام ايران جديدة يسعى شعبها الى تحسين صورتها في العالم ومواجهة مشاكلها الداخلية العميقة بدل الهرب منها الى الخارج. في كل الاحوال، تبدو ايران ما بعد الانتخابات على ابواب مرحلة جديدة وهذا يعطي معنى ما للمواجهة الدائرة بين الاصلاحيين والمحافظين. ولكن هل لا يزال لرفسنجاني وزن في اللعبة الداخلية الايرانية؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00