هل ينجح الرئيس باراك اوباما من خلال الخطاب الذي ألقاه في القاهرة بتغيير صورة أميركا في العالمين العربي والاسلامي؟ كل ما فعله اوباما في العاصمة المصرية أنه حاول نقل المعركة الناجحة التي خاضها من أجل الوصول إلى البيت الابيض إلى ميدان آخر. بدا كأنه يسعى إلى تحقيق النجاح نفسه الذي حققه على الصعيد الأميركي في العالم الاسلامي الكبير الممتد من أندونيسيا إلى موريتانيا. كان بارعا في اختيار النص، ولكن هل النص المتقن يكفي لأصلاح ما أفسده الدهر... أي ما يزيد على نصف قرن من السياسات الخاطئة، في معظم الاحيان، في منطقة مهمة من العالم؟
لا بدّ من الاعتراف بأن الخطاب كان رائعاً وشاملاً في الوقت ذاته، كذلك طريقة الالقاء التي جعلت من باراك اوباما خطيباً لامعاً قلّما وجد في العالم مَن يمكن مقارنته به. كان اسلوب الرجل في الخطابة ومضمون الخطاب نفسه بمثابة مفتاح لقلوب العرب والمسلمين. ولكن يبقى السؤال المطروح هو السؤال ذاته الذي يطرحه الأميركي العادي وهو: هل في استطاعة اوباما تحويل مضمون خطابه إلى خطوات عملية تساهم في تغيير العلاقة بين الولايات المتحدة من جهة والعرب والمسلمين من جهة أخرى؟ هناك فارق بين الانتصار في الانتخابات وخوض معركة انتخابية ناجحة من جهة وممارسة السلطة من جهة اخرى. ما يزيد في التعقيدات التي تواجه اوباما كونه في حاجة إلى حلول سحرية لمشاكل مستعصية خلّفها له جورج بوش الابن، إن على الصعيد الداخلي أو على الصعيد العالمي.
لا شك ان اللغة التي استخدمها الرئيس الأميركي في خطابه الذي اختار توجيهه من القاهرة، لغة مختلفة. ما يمكن قوله في شأن المضمون ان سياسات اوباما تلتقي أحياناً مع سياسات الادارة السابقة وتختلف معها في أحيان اخرى. على سبيل المثال وليس الحصر، لا جديد في ما يتعلق بإيران باستثناء أن اوباما جاهز للدخول في مفاوضات معها في حال كانت مستعدة للتخلي عن برنامجها النووي وتوفير الضمانات اللازمة التي تجعل منه برنامجا سلميا.
بكلام أوضح، أكد الرئيس الأميركي أن ادارته ليست على استعداد للقبول بقنبلة نووية ايرانية. في هذا المجال، يتبين أن لدى اوباما فكرة عن الطموحات الاقليمية لايران وعن مشاريع الهيمنة التي تصبو إليها وهو لا يستطيع، مثله مثل أي رئيس أميركي، القبول بقوة اقليمية تسيطر على الخليج الغني بالنفط وتجعل أهله يعيشون في حال من الخوف الدائم. ألم يدفع صدّام حسين ثمن عجزه عن استيعاب هذا الواقع واعتقد، في مرحلة معينة، أن في استطاعته تقاسم النفوذ مع الولايات المتحدة في منطقة الخليج؟
باختصار شديد، إن رفض تقاسم النفوذ مع أي قوة أخرى في الخليج من ثوابت السياسة الأميركية، بغض النظر عما إذا كان جورج بوش الاب أو جورج بوش الابن أو بيل كلينتون أو باراك اوباما في البيت الابيض. ولذلك، يمكن اعتبار الهمّ الايراني همّا أميركياً قبل أن يكون همّا إسرائيلياً. وهذا ما يدفع باوباما في اتجاه إعطاء مهلة، حتى نهاية السنة، لايران كي تقرر ما الذي تريد أن تفعله ببرنامجها النووي...
لم يختلف اوباما مع بوش الابن في شأن ايران. الاختلاف يقتصر على الاسلوب. إختلف معه عندما وصل الامر إلى النزاع العربي- الاسرائيلي عموما والفلسطيني- الاسرائيلي على وجه التحديد. هنا، تبين أن الرئيس الأميركي يعتبر أن في الامكان إيجاد تسوية على أرض فلسطين تقوم على قيام دولة فلسطينية مستقلة. كان موقف اوباما على نقيض من الموقف الاسرائيلي الرافض لتفكيك المستوطنات، والرافض خصوصا لفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة. لا شك أن الرئيس الأميركي سعى إلى طمأنة حكومة بنيامين نتانياهو إلى أن ما يقوم به يخدم مصلحة السلام في الشرق الاوسط وحتى مصلحة إسرائيل نفسها على المدى الطويل. ولكن هل حكومة نتنياهو مهتمة بالسلام فعلا... أم تفضل عليه الاحتلال وتستخدم البعبع الايراني للقول إن لديها أولويات مختلفة.
كل ما فعله باراك اوباما من القاهرة هو السعي إلى إقناع إسرائيل بان ليس في استطاعتها التهرب من استحقاق اسمه الدولة الفلسطينية إلى ما لا نهاية. ستظهر الاشهر القليلة المقبلة مدى جدية الادارة الأميركية في سعيها إلى تأكيد أنها ادارة مختلفة عن ادارة بوش الابن. فلسطين ستكون الامتحان بالنسبة إلى اوباما الذي يبدو مؤمنا أن التوصل إلى تسوية تقوم على خيار الدولتين أمر ممكن. ما قد يساعد في احباط الرئيس الأميركي استمرار الوضعين الفلسطيني والعربي على ما هما عليه، أي غياب التأييد العربي الواضح والعلني لمواقفه، ومتابعة حماس حملتها على السلطة الوطنية الفلسطينية كي تؤمن دعما لحكومة نتنياهو التي تدعي أن لا شريك فلسطينيا يمكن التفاوض معه ما دام هناك من يطالب بالقضاء على دولة إسرائيل.
نعم، هناك مسؤولية يتحملها اوباما الذي سيتوجب عليه اظهار أنه لم يأت إلى القاهرة لالقاء خطاب آخر على نسق الخطابات التي كان يلقيها في أثناء الحملة الانتخابية عندما كان مجرد مرشح للرئاسة. ولكن هناك أيضاً مسؤولية عربية وفلسطينية. استطاع الفلسطينيون تشكيل حكومة جديدة لتأكيد مدى جديتهم ومدى جدية السيد محمود عباس (أبو مازن) ومدى استعداده للذهاب بعيداً من أجل التوصل إلى تسوية. يفترض في العرب مساعدة اوباما في المواجهة المقبلة بينه وبين نتنياهو. يفترض بهم أن يؤكدوا له أنهم يمتلكون ما يكفي من الشجاعة لتوفير دعم صريح وعلني للرئيس الأميركي ومواقفه. انه السبيل الوحيد لجعل اوباما الرئيس يتخلى عن صورة اوباما المرشح. في النهاية، إن الوصول إلى البيت البيض شيء، والعمل الجدي من أجل تسوية تاريخية في الشرق الاوسط شيء آخر. إنها مهمة في غاية الصعوبة ولكنها ليست مستحيلة!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.