8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الأردن: مسألة خيارات شجاعة لا أكثر ...

بعد عشر سنوات من مباشرة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ممارسة سلطاته الدستورية، في مثل هذه الايام من العام 1999، يتبين ان ما تحقق في الاردن خلال عقد من الزمن كان انجازا بكل معنى الكلمة. يمكن الحديث عن انجاز استنادا الى لغة الارقام، وهي لغة علمية لا تخطئ. كذلك يمكن الحديث عن انجاز في ضوء الصعوبات والتعقيدات الاقليمية والدولية والظروف المحيطة بالمملكة الاردنية الهاشمية.
استطاع عبدالله الثاني قبل كل شيء المحافظة على الاستقرار في الاردن عن طريق اتباع سياسة عربية ودولية متوازنة من جهة والاستثمار في الانسان الاردني من جهة اخرى. ترافق ذلك مع تعزيز دولة المؤسسات في الاردن وجعلها اكثر فعالية بما يتلاءم مع التطورات التي يشهدها العالم. وضع الملك الاردن على تماس مع العالم الحضاري، بل في قلب العالم الحضاري متحديا كل الصعوبات التي تواجه بلدا يمتلك ثروات محدودة ، بل لا يمتلك اي نوع من الثروات. على الرغم من ذلك، من كان يصدق ان الاستثمارات الاجنبية في المملكة ستتضاعف ثلاث مرات في غضون اقل من عشر سنوات، من اربعمئة وثمانين مليون دينار في العام 1998 الى 1،4 بليون دينار في العام 2007. (الدينار الاردني يساوي يورو تقريبا).
تبدو الارقام مذهلة بالنسبة الى بلد فقير مثل الاردن يعيش باستمرار بين ازمتين اقليميتين ان لم يكن اكثر. ما لا يمكن تجاهله ان الاردن على حدود العراق كما على تماس دائم مع فلسطين ومع القضية الفلسطينية وعليه في كل لحظة السعي الى تاكيد انه لاعب اساسي وفاعل، يرفض اي حلول على حسابه، وانه لا يمكن ان يتخلى عن خياراته الاستراتيجية على راسها خيار الدولتين وذلك دفاعا عن فلسطين وعن الاردن في الوقت ذاته. بكلام اوضح، انه مع الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة التي تعيش جنبا الى جنب مع جيرانها في ظل سلام ووئام. اكد الاردن غير مرة في السنوات الاخيرة ان لا خيار اخر غير خيار الدولتين. وجاءت المواقف الاخيرة للرئيس باراك اوباما لتدعم الموقف الاردني ولتؤكد ان المملكة الاردنية الهاشمية تستطيع ان تكون لاعبا فاعلا على الصعيد الاقليمي وان تحافظ على الاردن ومصالحه بعيدا عن مصالح الاخرين، من عرب وغير عرب متاجرين بالعرب، من الساعين الى استمرار حال اللاحرب واللاسلم في المنطقة.
فرض الاردن خياراته على العالم بما في ذلك الولايات المتحدة، فرض خياراته على الاخرين، ايا تكن قدرة هؤلاء على ممارسة ضغوطهم من اجل التخلص من خيار الدولتين. انه الخيار الذي يؤمن مخرجا من المأزق الذي يعيشه الشرق الاوسط.
لعل اهم ما تميزت به السنوات العشر الاخيرة في الاردن، ذلك الاصرار على تحقيق تقدم على كل صعيد، خصوصا على الصعيد الداخلي، بغض النظر عن الازمات الاقليمية المحيطة بالمملكة. لم يعزل الاردن نفسه عن تلك الازمات بمقدار ما انه عمل على تفادي ربط التقدم على الصعيد الداخلي بالوضع الاقليمي. في ذلك سر نجاح الاردن. يستطيع المرء ان يتخيل ما الذي كان سيحل بالاردن لو ارتهن للازمات الاقليمية وربط تطوره الداخلي بايجاد حلول لهذه الازمات في مقدمها الوضع الفلسطيني. لو ربط الاردن نفسه في السنوات العشر الاخيرة بالوضع الاقليمي وجعل نفسه تحت رحمة الاخرين لما كان في الامكان الحديث عن وجود الفين وثمانمئة مدرسة مربوطة بشبكة الانترنت في السنة 2008. لم تكن اي مدرسة مربوطة بالشبكة في العام 1998. في السنة 2008 هناك 532 مدرسة اردنية فيها روضات للاطفال. كان عدد المدارس التي فيها روضات للاطفال في العام 1998 اربع مدارس فقط!
تجسّد التحدي الاكبر الذي واجه الاردن في السنوات العشر الاخيرة في القدرة على تحقيق تطور على الصعيد الداخلي يستفيد منه الانسان الاردني قبل اي شيء اخر. كان الاستثمار في الانسان هو الاولوية بالنسبة الى الاردن. الاستثمار في الانسان يمثل الخطوة الاولى على طريق وضع حد للتطرف والعمل على مواجهة الارهاب بكل اشكاله مع وضع حد للتطرف الديني ونشر الرسالة الحقيقية للاسلام التي هي رسالة التسامح وقبول الاخر.
نجح الاردن في السنوات العشر الاخيرة حيث اخفق كثيرون. نجح على الرغم من موارده المحدودة وثرواته شبه المعدومة. نجح بفضل الرؤية التي تمتع بها ملك عرف كيف يتعاطى مع الانسان الاردني وكيف يراهن عليه في حين كان اخرون من اصحاب الثروات يخسرون على الصعيد الداخلي بسبب غياب الرؤية والقدرة على الاستثمار في الانسان. في النهاية كان السؤال المطروح في غاية السهولة والصعوبة في الوقت ذاته. هل يستطيع المسؤول عن البلد قيادة الشارع، ام يترك الشارع يقوده؟ رفض عبدالله الثاني الحلول السهلة. في الواقع ليس اسهل من الحصول على ما يسمى تصفيق الجماهير عبر اتخاذ مواقف وطنية. في المقابل ليس اصعب من اتخاذ مواقف عقلانية تصب في النهاية في خدمة الشعب والانسان الاردني. الارقام تظهر ان عبدالله الثاني كان على حق. كان على حق في جر الشارع الاردني الى العقلانية. الارقام تؤكد ذلك. بين العامين 1999 و2008، ارتفع الانفاق على التعليم من 217 مليون دينار الى 522 مليون دينار. كانت نقطة الانطلاق دولة المؤسسات التي اوجدها الملك حسين، رحمه الله، الذي ترك لخلفه اساسا متينا في الامكان البناء عليه لضمان الانتقال الى شاطئ الامان. استطاع الملك عبدالله الثاني متابعة البناء. ليس بعيدا اليوم الذي سيتأكد فيه ان الرهان على حل الدولتين هو الخِيار الوحيد القابل للحياة اقليميا، مثلما ان الخيار على الانسان الاردني هو الخيار الوحيد الناجح اردنيا. المسألة مسألة خيارات شجاعة لا اكثر ولا اقل.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00