8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أين العيب في بحث الفلسطيني عن مصلحته؟

ليس أمام الفلسطينيين سوى انتهاز الفرصة المتاحة لهم حاليا والتي يتبين انها فرصة حقيقية وليست مجرد وهم. إنه رهان لا مجال للتهرب منه، علما أنه ليس مضمونا. في النهاية لو كان الرهان، أي رهان من أي نوع كان، مضمونا مئة في المئة لما كان اسمه رهانا. ما هو الرهان الذي لا مفر من الفلسطينيين خوضه؟ إنه رهان على الإدارة الأميركية الجديدة وعلى المشروع الذي تحدث عنه زعيم عربي شجاع يؤمن بالسلام ويعمل من أجله هو الملك عبدالله الثاني إبن الحسين. فالأردن يؤمن بالدولة الفلسطينية. الدولة الفلسطينية همّ أردني كونها تحمي القضية الفلسطينية وتحول دون مشروع الوطن البديل الإسرائيلي من جهة، وتحمي المملكة الأردنية من جهة أخرى.
كان العاهل الأردني أول رئيس لدولة عربية يلتقي الرئيس باراك أوباما منذ دخل الأخير البيت الأبيض. خرج عبدالله الثاني من مقر الرئاسة الأميركية بعدما حقق انجازين مهمين يتمثل أولهما في اقناع أوباما بأهمية التسوية في المنطقة وبأنها ملحة. أما الإنجاز الآخر فيتمثل في جعل الرئيس الأميركي يؤكد علنا التزامه خيار الدولتين. وهذا يعني بطبيعة الحال تمسك واشنطن بقيام دولة فلسطينية مستقلة وسعيها من أجل تحقيق ذلك في اطار سلام شامل في المنطقة. وقد كشف العاهل الأردني جانبا من التفكير الأميركي الجديد في صحيفة التايمز اللندنية عندما تحدث الإثنين الماضي في حوار أجرته معه عن مقاربة جديدة لواشنطن تستهدف تحقيق السلام على أساس خيار الدولتين بما يوفر لإسرائيل، في حال انسحابها من الأراضي المحتلة، اعترافا من سبع وخمسين دولة عربية وإسلامية وتطبيعا للعلاقات معها...
أثبتت الإدارة الأميركية الجديدة أنها جدية في ما تقوله وأنها تقرن الأقوال بالأفعال. لم تتردد هذه الإدارة في تعيين مبعوث خاص بالشرق الأوسط هو السيناتور السابق جورج ميتشل وذلك بعد أيام قليلة من تأدية الرئيس أوباما القسم. كان اختيار ميتشل كمبعوث خاص لأوباما دليلا على أن الإدارة الجديدة في غاية الجدية وأنها تعرف تماما ما الذي نريده. ميتشل معروف بأنه شخص متفهم لما يعانيه الفلسطينيون جراء الإحتلال، كذلك يدرك أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية عقبة في طريق التوصل إلى تسوية معقولة ومقبولة.
ليست فلسطين المكان الوحيد الذي أكدت فيه إدارة أوباما جديتها. أظهرت الإدارة أنها على استعداد للدخول في حوار جدي مع سوريا وإيران. أخذت إيران ذلك على محمل الجد بدليل أنها أطلقت الصحافية الأميركية ذات الأصول الإيرانية روكسانا صابري بعد اتهامها بالتجسس. فهم النظام الإيراني أن عليه الانفتاح على الإدارة الجديدة في واشنطن وأن الإدارة في غاية الجدية فأوقف الابتزاز الذي من عادته ممارسته وأطلق الصحافية الإيرانية الأصل التي كانت تقوم بعملها على الطريقة الأميركية. ارتأى النظام الإيراني بكل بساطة أن مصلحته تقضي بالافراج عن الصحافية. ما الذي يمنع الفلسطينيين من البحث عن مصلحتهم؟
عندما تكون المصلحة الفلسطينية فوق كل ما عداها، لا يعود هناك مجال للتردد. ولأنّ لا مجال للتردد، اقدم الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس (أبو مازن) على خطوتين في غاية الأهمية. قرر اعادة تشكيل حكومة فلسطينية برئاسة الدكتور سلام فيّاض وحسم في الوقت ذاته مسألة انعقاد المؤتمر السادس لحركة فتح الذي تأخر عشرين عاما في الأراضي الفلسطينية وليس في القاهرة أو عمان أو أي مكان آخر. حسم أبو مازن لعبة الرهان على حال اللاحرب واللاسلم التي لا تخدم سوى إسرائيل والاحتلال الإسرائيلي. قرر بكل بساطة أن يكون للفلسطيني رأيه. قطع الطريق على بنيامين نتنياهو الذي سيقول للرئيس أوباما عندما سيلتقيه في الثامن عشر من الشهر الجاري أن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه. يعتبر تشكيل حكومة فلسطينية رسالة واضحة فحواها أن الفلسطيني ليس مسؤولا عن تعطيل عملية السلام. أكثر من ذلك، أراد أبو مازن عبر حسمه مسألة عقد مؤتمر فتح في فلسطين التأكيد أن القرار الفلسطيني مستقل وأنه ليس تحت تأثير تلك العاصمة العربية أو غير العربية أو تلك. الأكيد أن لا مشكلة فلسطينية مع مصر والأردن الحريصتين أكثر من كثير من الفلسطينيين على القرار المستقل. المشكلة في أن هناك من يريد التذرع بالأحتلال لتفادي تعبير فلسطينيي الداخل، الذين يعانون حقا من الاحتلال، عن رأيهم وطموحاتهم المشروعة.
هناك بكل بساطة فرصة لا يريد الفلسطينيون تفويتها. إنها فرصة وجود إدارة أميركية تعمل من أجل أقامة دولة فلسطينية مستقلة. كل ما يفعله الفلسطينيون عبر تشكيل حكومة جديدة تؤمن بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية هو مساعدة أنفسهم. يعرفون أن لا أحد سيساعدهم إذا لم يساعدوا أنفسهم أولا وإذا لم يأخذوا قضيتهم بيدهم بدل تركها للسوري والإيراني اللذين لا همّ لهما سوى المتاجرة بالقضية الفلسطينية إلى أبد الآبدين.
يمكن أن تكون فرص السلام هزيلة، خصوصا مع وجود حكومة إسرائيلية متطرفة لا تؤمن سوى بالإحتلال وترفض خيار الدولتين. لكن الأهم من ذلك كله أن يحسم الفلسطينيون أمرهم وأن يدركوا أن الخطوة الأولى في اتجاه تحقيق الاستقلال تتمثل في ترتيب البيت من داخل. البيت الداخلي في الوقت الراهن هو الضفة الغربية. بقاء الضفة الغربية حرة تحت سيطرة السلطة الوطنية وفي غياب فوضى السلاح خطوة في الاتجاه الصحيح. عاجلا أم آجلا ستجد غزة نفسها في مأزق. لن تتمكن حماس من اغتصاب غزة إلى ما لا نهاية. لا خيار أمام الاحتلال سوى الانكفاء إلى حدود العام 1967 مع تعديلات بسيطة تأخذ في الاعتبار ضرورة إقامة خط يربط بين الضفة والقطاع. يراهن الفلسطينيون على المستقبل. لا مستقبل للاحتلال. هل هذا كثير عليهم؟ أين العيب في بحث الفلسطيني عن مصلحته؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00