الكويت مقبلة على انتخابات نيابية في السادس عشر من أيار الجاري. تجري الإنتخابات بعد حل مجلس الأمة المنتخب في العام 2008. لم يعمر المجلس السابق أكثر من سنة. يشير ذلك إلى غياب أي قدرة على إيجاد حد أدنى من التعاون بين السلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة والسلطة التشريعية ممثلة بمجلس الأمة (البرلمان). هل يكون مجلس الأمة الجديد خطوة على طريق الخروج من الحلقة المغلقة التي باتت الحياة السياسية في أعرق الديموقراطيات في المنطقة أسيرة لها؟
ثمة مجال للتفاؤل في حال كان مجلس الأمة الجديد قاعدة ينطلق منها الكويتيون في اتجاه وضع أسس عصرية لمرحلة مختلفة تتسم بالجرأة التي تساعد في إتخاذ قرارات كبيرة تعيد الكويت إلى ما كانت عليه. بكلام أوضح، لا مفر من اصلاحات في العمق يشارك فيها المجلس الجديد تؤدي إلى إستعادة الكويت دورها الطبيعي إن على الصعيد الإقتصادي أو على الصعيد الإجتماعي. لا شيء ينقص الكويت من أجل أن تكون مركزا تجاريا وماليا مهما في المنطقة فضلا عن لعب الدور الذي كانت تلعبه في الماضي في مجال تطوير منطقة الخليج اجتماعيا. كل ما هو مطلوب أن يكون هناك انتظام للحياة السياسية وللفصل بين السلطات فلا يؤدي الخلاف بين الحكومة ومجلس الأمة إلى شلل يحول دون اتخاذ أي قرار يصب في التنمية.
مثلما أنّ هناك سببا للتفاؤل بمجلس الأمة الجديد، في حال توافر شروط معينة بما في ذلك وجود أكثرية تؤمن بالإصلاح والتطوير، هناك أسباب عدة تدفع إلى التشاؤم، خصوصا في حال عودة الوجوه ذاتها إلى البرلمان المقبل. هناك من يخشى عودة من يسمّون رموز التأزيم إلى المجلس الأمة بزخم شعبي أكبر، خصوصا أن النظام الإنتخابي المعمول به حاليا وهو الدوائر الخمس، وقبله الدوائر الخمس والعشرون، لم يحل المشاكل المرتبطة بالإصطفاف المناطقي والطائفي والقبلي. بل يمكن القول أن التقسيم القائم على الدوائر الخمس زاد من حدة هذه المشاكل بعدما كان يؤمل بأن يحد منها...
هناك كثير من الحكماء في الكويت. داخل الأسرة الحاكمة وخارجها. هؤلاء يتذكرون كيف كانت الكويت في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي منارة الخليج. يتذكرون خصوصا الحيوية السياسية في البلد والتطور على كل الصعد. على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والتربوي والصحي والسياسي. كان الخليجيون وعرب آخرون يقصدون مستشفيات الكويت كما كانوا يرسلون أبناءهم إلى جامعاتها. كانت الكويت رمزا للإنفتاح والتقدم والتطور. كانت منارة المنطقة. هناك الآن مشكلة كبيرة ومعقدة في آن تلخصها كلمة الشلل. الاعتراف بوجود المشكلة يشكل البداية الحقيقية لحل مشاكل الكويت. على الذين لا يرون سيف المذهبية أن يروه وعلى الذين لا يرون التعصب القبلي أن يروه وعلى الذين يتجاهلون التقسيمات بين حضر وبدو ومناطق داخلية وأخرى خارجية أن يتوقفوا عن تجاهل هذا الواقع والتصرف من منطلق أنه ليس قائما.
في الإمكان إيراد أمثلة كثيرة عن اختلاط الحابل بالنابل في الكويت. على سبيل المثال وليس الحصر، عندما حصل قبل ما يزيد على عام تأبين للقيادي في حزب الله عماد مغنية، من قبل التحالف الوطني الإسلامي، أي التيار السياسي الذي يؤمن بـخط الإمام وولاية الفقيه، تم تناول الموضوع من زاوية سني ـ شيعي. وكان النائب الذي تحدث في التأبين عضوا في كتلة العمل الشعبي التي يتزعمها أحمد السعدون وهي كتلة تضم أيضا نائبا سنيا معروفا بمواقفه الحادة. يومذاك، هدد هذا النائب مع أعضاء آخرين في الكتلة بالإنسحاب منها إذا لم يطرد النائب الشيعي، وانضم هؤلاء إلى الحملة على الذين شاركوا في تأبين مغنية الذي اغتيل في دمشق. فجأة طغى الانقسام الشيعي ـ السني على كل ما عداه من مواقف سياسية تجمع بين أعضاء كتلة نيابية واحدة!
في مناسبات أخرى، طغى الانتماء القبلي على المشهد السياسي وتضامن نائب مع نائب آخر، لا يجمعه شيء به، لأسباب تعود إلى انتمائهما إلى القبيلة ذاتها!
كيف كسر الحلقة المغلقة، والرفع من مستوى النقاش السياسي داخل مجلس الأمة الكويتي وكيف الانطلاق في اتجاه تطبيق إصلاحات يحتاج البلد إليها. لا وجود بالطبع لعلاج سحري، ولكن لا بدّ من الإشارة إلى أنه سبق لأمير الدولة الشيخ صباح الأحمد أن اقترح عندما كان رئيسا للوزراء نظاما انتخابيا يمكن أن يساهم في تطوير النظام السياسي. يستند النظام الانتخابي المقترح إلى تحويل الكويت دائرة انتخابية واحدة مع إعطاء الناخب حق التصويت لمرشحين فقط. مثل هذا النظام الانتخابي يساهم في إنهاء ظاهرة الانتخابات الفرعية وربما في صهر الناخبين في بوتقة واحدة بما يضعف الطائفية والمذهبية والمناطقية. لن يقضي ذلك على هذه الظواهر على نحو نهائي نظرا إلى أن الكويت جزء من العالم العربي ومن المنطقة... لكنه سيضعفها إلى حد كبير.
يمكن أن يشكل تعديل النظام الأنتخابي بمساهمة مجلس للأمة يضم عددا لا بأس به من النواب المستقلين خطوة على طريق عقد مؤتمر وطني للاتفاق على تطوير العمل السياسي. يتم ذلك سواء من خلال مؤسسات حزبية، شرط أن تكون هذه المؤسسات وطنية التوجهات وذات برامج تنموية، أو من خلال حكومات تتشكل على أساس وجود أكثرية وأقلية. أقلية، تتولى محاسبة الحكومة وليس المزايدة عليها عبر الصراخ والشعارات التي لا هدف لها سوى شل البلد.
ليس كثيرا على تجربة سياسية عريقة ذات طابع ديموقراطي مثل الكويت القيام بقفزة نوعية. المفارقة أن الشيخ صباح نجح بشكل ملفت في قمة الكويت الأخيرة في الحد من الانقسامات العربية. وكان ما حققه إنجازا كبيرا. لماذا لا ينجح أيضا في كسر الحلقة المغلقة ونقل الكويت إلى مكان آخر في ما يخص الحياة السياسية الداخلية. هل هذا كثير على الكويت؟ الكويت تستحق أكثر من ذلك بكثير. تستحق خصوصا المباشرة بمرحلة تأسيسية تتجاوز بها نهائيا آثار الغزو العراقي في العام 1990. يفترض في الكويت أن تخرج من أسر عقدة الغزو العراقي والمغامرة المجنونة لصدّام حسين. الكويت تحررت واستعادت سيادتها. لا بدّ أن تعود إلى أحسن مما كانت عليه في الماضي بفضل نظام ديموقراطي يؤمن حدا أدنى من الاستقرار السياسي. الكويت تستحق الخير كل الخير!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.