8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

روايات لمن زاروا غزة حديثاً

ماذا يقول زوار غزة هذه الايام، بعد اربعة اشهر على الحرب الاسرائيلية التي استهدفت القطاع ذي المساحة الضيقة والكثافة السكانية العالية والساقط عسكريا من كل الاتجاهات وبكل المقاييس؟
يروي من تجول في غزة وعاد منها حديثا ان البؤس يخيم على كل القطاع وان الناس العاديين يستغربون كيف ان الهم الوحيد لـحماس هو الامساك بالامن من دون اي اكتراث بهم او باعادة الاعمار. وينقل العائدون من غزة ان اعادة الاعمار تشكل اخر هموم حماس، بل انها ليست همّا بالنسبة اليها ما دامت تمسك بكل المفاصل الامنية مستفيدة من الاموال التي تأتيها من الخارج من جهات عدة.
اكثر ما يثير الحزن عند اولئك الذين زاروا غزة اخيرا بحثا عن طريقة يمكن ان تساعد في تمكين المجتمع الدولي من صرف الاموال التي خصصها لاعادة الاعمار وجود ثمانية مخيمات جديدة في القطاع. هذه المخيمات عبارة عن مناطق لجأ اليها اولئك الذين هدم الاسرائيليون بيوتهم في العدوان الاخير. معظم هؤلاء هم اصلا لاجئون في غزة، وقد انتقلوا الى القطاع على دفعات من مناطق فلسطينية احتلتها اسرائيل في العام 1948 ... او في مراحل لاحقة. بالنسبة الى كثيرين، انها النكبة الثانية. لم تجد امرأة ما تفعله سوى زرع شجرة زيتون قرب الخيمة التي باتت تقيم تحتها. هذه المرأة تخشى من ان يأتي يوم تأكل فيه ثمارا من هذه الشجرة.
في فلسطين الموقت يصبح دائما. تلك باتت القاعدة. ثمة حاجة واضحة في غزة الى كسر الحلقة المغلقة وذلك عن طريق فك الحصار وبدء مشروع اعادة البناء بما يعيد الناس الى بيوتهم. من دون فك الحصار واعادة الاعمار لا يرى سكان غزة املا في المستقبل، انهم يبحثون فقط عن طريق للخروج من القطاع الى اي مكان في العالم...
كيف يكون فك الحصار؟ السؤال يطرحه كل غزاوي يأمل في رؤية نور في نهاية النفق الذي يقيم فيه. يقول الذين زاروا غزة حديثا ان المواطن الفلسطيني الموجود في القطاع يدرك تماما ان الحرب الاخيرة لم تكن ضرورية. لا وجود سوى لسؤال واحد يتردد على كل الالسن: لماذا افتعال الحرب وتبرير العدوان الاسرائيلي عن طريق صواريخ كان معروفا سلفا انها لا تقدم ولا تؤخر. يبدو الغزاويون عاجزين تماما عن فهم المنطق الذي تنادي به حماس ولماذا ترفض حاليا المشاركة في حكومة تعتمد البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية بما يؤدي الى فك الحصار؟
ما لا يفهمه اهل غزة خصوصا هو لماذا صار في الامكان وقف الصواريخ الان. ما الذي تغير؟ ما الفارق بين ما هو الوضع عليه الان من جهة وبين كانون الاول- ديسمبر الماضي حين قرر قادة حماس في الخارج انهاء الهدنة او التهدئة بما سمح لاسرائيل بشن عدوانها الواسع الذي خلف ما يزيد على الف وثلاثمئة قتيل ونحو ستة الاف جريح، اضافة الى تدمير نحو خمس عشرة في المئة من القطاع من جهة اخرى؟
لا يرى اهل غزة نهاية بصيص نور في نهاية النفق. العالم بالنسبة اليهم بحر من السواد. لكن حسهم السياسي المرهف جعلهم يقتنعون اكثر من اي وقت بان حماس لا تريد سوى السلطة وهي تسعى الى السيطرة على غزة الى ما لا نهاية من منطلق ان في استطاعتها استخدام القطاع قاعدة انطلاق لنشر الفكر الذي تنادي به حركة الاخوان المسلمين التي دخل قسم منها في حلف مع النظام الايراني. بدأ اهل غزة يفهمون ان الهدف من الحرب الاخيرة التي افتعلتها حماس لم يكن اسرائيل... بمقدار ما ان المطلوب كان احراج مصر لا اكثر خدمة للمحور الايراني- السوري الذي بات يتحكم بقرار حماس.
هل من مخرج من الوضع الراهن؟ لا يخفي المواطن العادي تشاؤمه، لكنه يقول ان المخرج من الوضع السائد حاليا في متناول اليد، خصوصا اذا اعترفت حماس بانها لم تحقق اي انتصار من اي نوع كان في الحرب الاخيرة وان حساباتها، التي هي جزء من الحسابات الايرانية- السورية، كانت جد خاطئة، بخاصة مع مصر. المخرج الوحيد المتوافر هو ذلك الذي نادى به رئيس السلطة الوطنية السيد محمود عباس (ابو مازن) منذ ما قبل توقف العدوان الاسرائيلي. يقضي هذا المخرج بتشكيل حكومة فلسطينية يقبل بها المجتمع الدولي بما يؤدي الى فك الحصار. في حال لم يحصل ذلك، يمكن ان يستمر الحوار الفلسطيني- الفلسطيني في القاهرة وغير القاهرة سنوات وسنوات الى ان يتبين ان حماس لا تمتلك حرية قرارها وانها اسيرة الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط الذي اسرته في حزيران- يونيو من العام 2006.
كل من يزور غزة ويخرج منها، يسارع الى التساؤل: هل تعلم الفلسطينيون شيئا من تجارب الماضي القريب والبعيد؟ ما الذي سيفعلونه بغزة التي انسحبت منها اسرائيل من جانب واحد صيف العام 2005؟ الجواب بكل بساطة انهم لم يتعلموا ولا يريدون ان يتعلموا. خطفت حماس القرار السياسي لاهل القطاع وهي تريد بناء مشروع سياسي على انتصار وهمي. ستستمر الحال على ما هي عليه سنوات وسنوات وستأكل المرأة الفلسطينية كما يبدو من ثمار شجرة الزيتون التي زرعتها قرب خيمتها الجديدة، هذا في حال لم تهجر منها الى مكان اخر بفضل ارهاب الدولة الذي تمارسه اسرائيل والصواريخ المضحكة- المبكية التي تطلقها حماس من اجل القول انها تقاوم. تقاوم من، على حساب من ومن اجل ماذا؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00