8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل تعرف إدارة أوباما ماذا تريد؟

لم يأت بنيامين (بيبي) نتانياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي بجديد. كذلك وزير خارجيته افيغدور ليبرمان. التاريخ يعيد نفسه. الرجلان لا يريدان السلام. يعتقدان ان الوقت يعمل لمصلحة اسرائيل ومصلحة الاحتلال. يسعيان بكل بساطة الى تهجير الفلسطينيين من ارضهم، بما في ذلك تنفيذ عملية نقل للفلسطينيين الذين تمسكوا بالارض في العام 1948 وبقوا فيها ويشكلون حاليا نسبة عشرين في المئة من سكان اسرائيل. يتعرض هؤلاء حاليا لتهديد حقيقي مصدره بيبي وليبرمان والحكومة التي تضمهما.
ينفذ بيبي حاليا ما وعد به اسحق شامير الذي كان يقول في اثناء مؤتمر مدريد اواخر العام 1991 انه سيكون على استعداد للتفاوض مع العرب لمدة عشر سنوات. بالنسبة اليه، ما دام لا بد من التفاوض والمجيء الى مدريد، ليس ما يحول دون ممارسة لعبة التفاوض من اجل التفاوض. كان المهم بالنسبة اليه استخدام التفاوض لكسب الوقت وخلق أمر واقع على الارض يستثمر في تكريس الاحتلال للضفة الغربية. بيبي ليس سوى التلميذ النجيب لشامير، اذ كان الناطق الرسمي باسم الوفد الاسرائيلي في مدريد والمدافع الاول عن فكرة، عفوا عن لعبة التفاوض من اجل التفاوض.
لم يتغير شيء في رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي الذي خلف شامير في زعامة ليكود وتولى رئاسة الوزراء للمرة الاولى في العام 1996 وعمل من اجل إفراغ عملية السلام التي انطلقت من مدريد وأدت، بين ما أدت اليه، الى توقيع اتفاق اوسلو في العام 1993 من مضمونها. انه بيبي نفسه الذي لم يستطع إكمال ولايته الاولى رئيسا للوزراء، فاضطرت حكومته الى الدعوة الى انتخابات مبكرة في العام 1999 فاز فيها ايهود باراك الذي ما لبث ان خسر امام شارون في فبراير من العام 2001.
كان لا بدّ من العودة الى الخلف قليلا للتأكد من ان المشهد الاسرائيلي نفسه يتكرر مع الفلسطينيين وان لا سبيل الى تحقيق اي اختراق من اي نوع كان بين الجانبين من دون قرار اميركي واضح كل الوضوح مبني على فكرة ان ثمة حلاّ يستند الى قيام دولتين على ارض فلسطين التاريخية التي هي في الواقع ارض الفلسطينيين.
هل تستطيع ادارة أوباما، التي كان بين القرارات الاولى التي اتخذتها تعيين مبعوث خاص للشرق الاوسط هو السناتور السابق جورج ميتشل، وضع حكومة نتانياهو امام أمر واقع بدل ان تتركها تفرض الامر الواقع الذي تسعى الى فرضه والمتمثل في تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية؟ انها مسألة اشهر قليلة فقط يتبين بعدها ما اذا كان الرئيس الاميركي قادرا على فرض ارادته، اي حل الدولتين الذي ينادي به، على الحكومة الاسرائيلية. في حال كان اوباما جديا، سيكون في استطاعة مبعوثه القول بالفم الملآن لبيبي ان ليس امامه اي حل اخر وان اسس التسوية معروفة وهي تستند الى سلسلة من التفاهمات وردت في الوثيقة التي اصدرها الرئيس كلينتون في الاسابيع الاخيرة من ولايته، اواخر العام 2000 وفي الاتفاقات التي توصل اليها الاسرائيليون والفلسطينيون في طابا بعد فشل قمة كامب ديفيد صيف العام 2000. وقد استمرت تلك المفاوضات حتى مطلع السنة 2001 حين فاز شارون في الانتخابات العامة وخرج باراك من السلطة.
في غياب موقف اميركي حاسم يؤكد ان الحل موجود وان في الامكان التوصل الى تسوية معقولة ومقبولة، بغض النظر عن الظلم التاريخي اللاحق بالشعب الفلسطيني، لن يتردد نتانياهو في الاقدام على كل ما من شأنه ان يحول دون قيام دولة فلسطينية مستقلة. سيستند الى حجة ان على الفلسطينيين الاعتراف اولا بأن اسرائيل دولة يهودية. من قال ان اسرائيل ليست دولة فيها اكثرية يهودية ؟ ولكن من قال ايضا ان الاعتراف بيهودية الدولة لن يمهّد لعملية تهجير عرب اسرائيل، من قراهم وبلداتهم؟ انه طلب تعجيزي لا يستطيع اي فلسطيني القبول به نظرا الى انه يخفي النيات الحقيقية للحكومة الحالية.
سيتوجب على ادارة اوباما ان تقرر قريبا هل هي جدية في دعم حل الدولتين ام لا؟ ولكن يبقى ما هو اهم من ذلك بكثير. هل تستوعب الادارة الاميركية الجديدة ان استبعاد الحل، وهو ما يسعى اليه بيبي وليبرمان، يعني ان لا استقرار في الشرق الاوسط؟ هل تستوعب ان المستفيد الوحيد من ذلك هو قوى التطرف في المنطقة، تلك القوى التي عملت كل شيء من اجل ان تكون هناك حرب في غزة من دون اي اخذ في الاعتبار لموازين القوى او للخسائر التي سيتعرض لها الشعب الفلسطيني في مواجهة الوحش الاسرائيلي؟ الخيار الاميركي واضح. انه بين الحل او التغاضي عن الاحتلال. بين العمل على كبح جماح التطرف في الشرق الاوسط او اطلاق العنان له. يفترض في الادارة الاميركية ان لا يغيب عن بالها ان المكان الوحيد الذي تستطيع ان تحقق فيه انجازا يصبّ في خدمة الاستقرار ومواجهة التطرف هو فلسطين. حتى الانفتاح على ايران، على الرغم من الاهمية الكبيرة لهذه الدولة، مشكوك في نتائجه. في كل الاحوال، سيتبين الخيط الابيض من الاسود في اقرب مما يتصوره الاميركيون، اي هل تفيد المفاوضات مع ايران في شيء، ام انها مجرد وسيلة ايرانية لكسب الوقت. سيتبين اخيرا هل الادارة الاميركية الجديدة التي ارسلت جورج ميتشيل، المعروف بصبره وهدوئه، تعرف ماذا تريد وتعرف خصوصا ان لا مفر من الضغط على اسرائيل كما فعل جورج بوش الاب ووزير خارجيته جيمس بيكر في العام 1991 لاجبار اسحق شامير على حضور مؤتمر مدريد...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00