ذهب وفد من فتح إلى غزة وعاد منها كما ذهب، أي صفر اليدين. كل ما في الأمر أن حماس أكدت لعضوي الوفد بعدما دخلا القطاع، بحمايتها طبعا، انها صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في غزة وأن لا عودة للسلطة الوطنية إليها وأن الهدف من الانقلاب الذي نفذته منتصف العام 2007، وهو انقلاب تخللته عمليات انتقام واسعة من كل من له علاقة بـفتح من قريب أو بعيد، التأكيد أنها السلطة وأنها ترفض البحث في أي حكومة جديدة ... ألاّ اذا كان المطلوب ضم الضفة الغربية إلى غزة. وهذا يعني في طبيعة الحال وضع اليد على كل الأراضي الفلسطينية وتحويل هذه الأراضي نقطة انطلاق لتغيير على الصعيد العربي يصب في مصلحة المحور الايراني- السوري. هل هناك تفسير آخر لافتعال الحرب الأخيرة في غزة غير الرغبة في احراج مصر واستغلال الحرب والوحشية الإسرائيلية لتبرير الحملة التي استهدفت القاهرة والتي كان حزب الله الايراني المقيم في لبنان رأس حربتها؟
لماذا كان ذلك الاصرار على إطلاق الصواريخ من غزة قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت أهل القطاع والبنية التحتية فيه، ولماذا توقفت الصواريخ الآن؟ ما الذي تغيّر حتى يصبح الامتناع عن إطلاق الصواريخ المضحكة- المبكية واجباً وطنياً؟ أمس كانت هذه الصواريخ تعبيراً عن المقاومة. ما الفارق بين اليوم والبارحة؟ كيف صارت الصواريخ بقدرة قادر مادة محظور استخدامها. هل هناك مواسم لـالمقاومة ومواسم أخرى تصير فيها المقاومة شرّا مطلق؟ هل كانت غزة أمس تحت الاحتلال وصارت اليوم محررة بعدما دمر الوحش الإسرائيلي، مستخدماً حجّة الصواريخ، نسبة خمس عشرة في المئة من القطاع وقتل ما يزيد على ألف وثلاثمئة فلسطيني وجرح نحو ستة آلاف من أهل القطاع؟ أين المنطق في كل ذلك؟
نعم، هناك منطق لمسلسل الأحداث الذي تشهده غزة منذ القرار الإسرائيلي بالانسحاب من جانب واحد من كل القطاع صيف العام 2005 وصولا إلى الانقلاب الذي نفذ على مراحل وبلغ مبتغاه في حزيران- يونيو 2007. المؤسف أن هناك في فتح من لا تزال لديه أوهام ولا يزال يراهن على أن حماس تسعى إلى الوحدة الوطنية وتجهد من أجل ذلك. الواقع مختلف كليا. حماس تريد الاستيلاء على غزة من أجل أن يكون القطاع قاعدة انطلاق في اتجاه الانقضاض على الضفة الغربية في مرحلة لاحقة. وما قد يكون أهم من ذلك كله، ان حماس جزء لا يتجزأ من حركة الأخوان المسلمين، التي تحول بعضها، بعضها فقط، امتدادا للمحور الايراني- السوري. يستخدم هذا البعض في أماكن مختلفة من المنطقة لزعزعة الاستقرار فيها. باتت الحركة تؤدي أدوارا محددة على الصعيد الاقليمي. من بين الأدوار، ذلك الذي لعبته حماس وحلفاؤها في سياق الحرب التي يشنها الايرانيون على أطراف عربية معينة على رأسها مصر. لو لم يكن الأمر كذلك، لما كانت تلك الهجمة على مصر في موازاة الحرب الإسرائيلية على غزة. كانت هناك حملة شاملة مدروسة بشكل جيد ودقيق استهدفت تحميل مصر مسؤولية حرب غزة وكأن معبر رفح الذي تتحكم به اتفاقات ذات طابع دولي خشبة الخلاص للشعب الفلسطيني أو الجسر إلى تحرير فلسطين من البحر إلى النهر أو من النهر إلى البحر لا فارق. الحقيقة أن كل ما في الأمر أن حرب غزة كانت حربا مفتعلة لا هدف منها سوى النيل من مصر أو معرفة قدرة النظام المصري على مقاومة الضغوط التي يتعرض لها. وكان واضحا أن الخطاب الذي ألقاه السيد حسن نصرالله الأمين العام لـحزب الله في أثناء الحرب والذي دعا فيه إلى انتفاضة للقوات المسلحة المصرية بمثابة جس نبض للوضع الداخلي في مصر. تبين مع الوقت أن الوضع في مصر ليس فالتا إلى الحد الذي يعتقده الايرانيون والسوريون وأن أجهزة الأمن المصرية لا تزال ممسكة بزمام الأمور وأن القاهرة بدأت تكتشف حقيقة حماس وارتباطاتها الخارجية وحجم العلاقة بينها وبين الأخوان في مصر فضلا عن عمق صلاتها بكل من دمشق وطهران...
ليس صدفة أن الحرب الأخيرة في غزة بدأت مع وضع السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـحماس المقيم في دمشق القياديين في الداخل أمام أمر واقع. أعلن مشعل من دمشق انتهاء الهدنة أو التهدئة في وقت كان القياديون في غزة يحاولون الأخذ والرد. سمح ذلك لاسرائيل بممارسة إرهاب الدولة فيما العالم يتفرج على طائرات ودبابات تقصف مدنيين ومنشآت حيوية في القطاع...
لم تقض إسرائيل على حماس في غزة، علما أنه كان في استطاعتها أن تفعل ذلك. اسرائيل هي المستفيد الأول من وجود كيانين فلسطينيين لا علاقة لأحدهما بالآخر. انسحبت بعدما أمنت العودة إلى الوضع الذي كان سائداً في مرحلة معينة تحت عنوان كبير أسمه التهدئة. كان مطلوباً بكل بساطة استخدام حرب غزة للنيل من مصر. كانت الحرب غطاء لحرب أخرى على مصر. الحرب الحقيقية كانت على مصر لا أكثر ولا أقل. ماذا يعني إرسال حزب الله عناصر إلى أرض الكنانة لتهريب أسلحة إلى غزة؟ أليس المعنى الوحيد لذلك أن هناك من يعتبر أرض مصر أرضا سائبة؟
هناك في فتح مَن لا يزال يعتقد أن حماس مجرد تنظيم فلسطيني آخر مثل الجبهة الشعبية أو الجبهة الديموقراطية أو جبهة النضال الشعبي. الأمر مختلف تماماً. حرب غزة كشفت الدور الحقيقي لـحماس. مَن لا يستوعب أبعاد هذا الدور لا ضرورة لحضوره المؤتمر السادس للحركة المتوقع عقده في غضون شهرين أو ثلاثة أشهر في رام الله. وربما لا ضرورة حتى للمؤتمر نفسه في حال لم تكن هناك رغبة لدى فتح في التعاطي مع الواقع ومع ما يدور فعلا على الأرض الفلسطينية والمنطقة المحيطة بها... ومع مغزى الحرب الأخيرة في غزة!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.