8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

رسالة اعتدال أخرى من عمّان...

ان يجتمع عدد من وزراء الخارجية العرب في عمّان قبيل توجه الملك عبدالله الثاني الى واشنطن لعقد لقاء مع الرئيس باراك اوباما يعتبر دليلا على بداية استيعاب لخطورة المرحلة التي يمر فيها الشرق الاوسط ودقتها. انها مرحلة في غاية التعقيد ايضا، خصوصا بعد وصول بنيامين نتانياهو الى السلطة في اسرائيل وتشكيله حكومة تؤمن بالسلام مقابل السلام بديلا من الارض في مقابل السلام. هذه حكومة تطالب علنا بتكريس الاحتلال وتعتبر الضفة الغربية ارضا متنازعا عليها وتستبعد سلفا حل الدولتين. وهذا يعني في طبيعة الحال ان لا مكان للشعب الفلسطيني على الخريطة الجغرافية للشرق الاوسط وعليه بالتالي ان يبحث عن وطن بديل.
كانت الدعوة الاردنية الى انعقاد الاجتماع الوزاري في عمّان في مكانها، خصوصا انها جاءت بعد قمة الدوحة التي اكد فيها العرب تمسكهم بحل الدولتين وبمبادرة السلام التي اقرتها قمة بيروت في العام 2002 والتي لم يعرفوا كيف يسوقونها بشكل جيّد. تظهر الدعوة الاردنية ان على العرب ان يكونوا حذرين وان يتفادوا السقوط في الفخ الاسرائيلي، اي الرد على تصريحات نتانياهو ووزير خارجيته افيغدور ليبرمان باعتماد مزيد من التطرف. على العكس من ذلك، جاء كلام العاهل الاردني بعد اجتماع عمان في غاية الهدوء. كل ما فعله عبدالله الثاني هو تأكيد ان العرب متمسكون بخيار الدولتين الذي ينادي به الرئيس اوباما وبقرارات الشرعية الدولية. لماذا لا يكون سعي الى استفادة عربية من موقف الرئيس الاميركي الجديد الذي يتعارض بوضوح مع السياسة التي تنادي بها الحكومة الاسرائيلية الحالية؟
كان اجتماع عمّان محاولة عربية للعودة الى العقلانية وحماية الحق الفلسطيني بدل تشجيع الفلسطينيين على مغامرات سيدفعون ثمنها غاليا كما حصل في غزة اخيرا. من شجع الفلسطينيين على الدخول في مغامرة غزة انما يسعى الى استخدام الشعب الفلسطيني وقودا في معارك لا تصب في مصلحته. وربما كان رفض اجتماع عمّان تشجيع الفلسطينيين على الانتحار كما حصل في غزة وراء مقاطعة النظام السوري للاجتماع وتفضيله عدم الاستماع الى لغة العقل والمنطق.
من يريد حقا خدمة القضية الفلسطينية في هذه المرحلة بالذات يسعى اول ما يسعى الى التعاطي مع الواقع بعيدا عن الاوهام. ماذا يعني التعامل مع الواقع؟ يعني اوّلا ان العرب، الذين يؤمنون بخيار السلام ويعتبرون، بمن فيهم سوريا، السلام خيارا استراتيجيا، يرفضون الدخول في مغامرات عسكرية جديدة نظرا الى ادراكهم ان هذه المغامرات ستعود بالكوارث عليهم... الا اذا كانوا يعتبرون ان عليهم المتاجرة بدماء الفلسطينيين واللبنانيين، حتى آخر فلسطيني وحتى آخر لبناني خدمة للمحور الايراني- السوري. بكلام اوضح، لا وجود لاستراتيجية عربية تقوم على العودة الى الخيار العسكري. الفلسطينيون انفسهم لا يؤمنون بهذا الخيار ما دام العرب يريدون التفاوض مع اسرائيل لاستعادة الارض المحتلة. لو لم يكن الامر كذلك، لما كان النظام السوري اغلق جبهة الجولان منذ العام 1974 وسعى في الوقت ذاته الى التفاوض مع اسرائيل، عفوا التفاوض مع الادارة الاميركية، بغية كسب الوقت وتحقيق مكاسب في لبنان وغير لبنان... والقول للعالم انه يمتلك الورقة الفلسطينية بما يمكنه ان يكون لاعبا اقليميا. يريد ان يكون لاعبا اقليميا من اجل ماذا؟ بماذا يفيد ذلك المواطن السوري المسكين؟
كان اجتماع عمّان خطوة متواضعة من اجل العودة الى المنطق والبحث في كيفية مواجهة التعنت الاسرائيلي واللهجة العدوانية لنتانياهو وليبرمان. كان مطلوبا الرد على التطرف الاسرائيلي بلغة يفهمها المجتمع الدولي بغض النظر عما اذا كان هذا المجتمع قادرا بالفعل على ممارسة ضغوط على اسرائيل والعمل من اجل حل الدولتين. كل ما يحاول العرب قوله حاليا انهم صادقون مع انفسهم وانهم لا يريدون المتاجرة بالفلسطينيين وعقد صفقات على حسابهم كا يفعل المحور الايراني- السوري. وكل ما يريدون قوله انهم بلغوا مرحلة النضوج وانهم يريدون قطع الطريق على استمرار الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية والقدس وعلى حل الوطن البديل الذي عاد يطل براسه.
ما قد يكون اهم من ذلك كله، ان الملك عبدالله الثاني الذي سيلتقي اوباما في الواحد والعشرين من نيسان- ابريل الجاري بات يمتلك ورقة مهمة نظرا الى انه سينقل الى الرئيس الاميركي رسالة عربية طالما آمن بها الاردن. فحوى الرسالة ان لا حل في فلسطين الا حل الدولتين الذي يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة يمارس فيها الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة بصفة كونه احد شعوب المنطقة. وفحوى الرسالة ايضا ان السياسة الاميركية، على المنطقة كلها، ستستفيد من التسوية في فلسطين. النظرة الى اميركا ستتغير، متى وجد العرب والمسلمون من موريتانيا الى باكستان ان اميركا بدات تتصرف بطريقة مختلفة في فلسطين. سيضع العاهل الاردني اوباما امام امتحان جدي. هل هو صادق مع نفسه، هل يلتزم الوعود التي يقطعها، هل صحيح انه يؤمن بحل الدولتين كما ردد دائما في خطبه الاخيرة. العرب صادقون مع نفسهم. انهم يريدون تسهيل مهمة اوباما. انها رسالة اعتدال أخرى تصدر من عمّان، رسالة تظهر ان العرب ليسوا متطرفين وانهم على استعداد لتحكيم العقل والمنطق قبل اي شيء اخر... وانهم على غير استعداد للمتاجرة بالفلسطينيين وقضيتهم الى ما لا نهاية. على العكس ان لديهم مصلحة حقيقية في الحل والتسوية المعقولة والمقبولة التي تنهي الاحتلال. هل الرئيس الاميركي الذي ربح معركته الانتخابية تحت شعار التغيير مع الاحتلال او ضده؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00