يأتي تعليق الحوار الفلسطيني- الفلسطيني في القاهرة نتيجة منطقية لاصطدام بين مشروعين لا يمكن التوفيق بينهما. هناك بكل بساطة سياستان كل منهما على تناقض مع الاخرى في شأن كل نقطة من النقاط التي تشكل محور حوار القاهرة. الامر الوحيد الإيجابي الذي طرأ على الوضع الفلسطيني تمثل في اتخاذ السيد محمود عباس (ابو مازن) رئيس السلطة الوطنية قرارا جريئا يقضي بإعادة الحياة الى حكومة الدكتور سلام فياض. انها الحكومة التي يجمع العقلاء بين الفلسطينيين على انها الأفضل منذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية نتيجة اتفاق اوسلو الموقع في العام 1993 من القرن الماضي في حديقة البيت الابيض. كان قرار ابو مازن في غاية الشجاعة وأظهر ان الرجل رجل دولة بكل معنى الكلمة وانه على استعداد للذهاب الى ابعد الحدود في الدفاع عن القرار الفلسطيني المستقل وعن المشروع السياسي الوحيد القابل للحياة وهو البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية. اكثر من ذلك، قرر ابو مازن الخروج من اسر الرفض الاسرائيلي للسلام من جهة واطلاق حماس شعارات وإقدامها على تصرفات لا تخدم سوى المشروع الإسرائيلي من جهة اخرى.
لا يجوز بقاء الوضع الفلسطيني يراوح مكانه في وقت شكّل بنيامين نتانياهو حكومته الثلاثينية وأكد مسبقا رفضه الحل القائم على الدولتين. لا يؤمن بيبي الا بالتطرف الذي يعبر عنه وزير الخارجية افيغدور ليبرمان الذي يتحدث عن السلام في مقابل السلام. ما هذه الصيغة التي لا تعني سوى تكريس الاحتلال. هل في استطاعة إسرائيل العيش الى ما لا نهاية وهي تحتل الضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان ومزارع شبعا التي يتوقع لبنان من النظام السوري تقديم الوثائق التي تثبت انها لبنانية؟
لا وجود لشيء اسمه السلام مقابل السلام. هناك صيغة اخرى معترف بها دوليا تقوم على مبدا الارض في مقابل السلام. انها الصيغة التي يفترض في الفلسطينيين العودة اليها، بل اللجوء اليها لانقاذ ما يمكن إنقاذه من براثن الوحش الاسرائيلي.
ربما تريد حماس، عن طريق التمسك بمطالبها المحددة القائمة على رفض البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطيسنية، تاكيد انها لم تخسر حرب غزة الاخيرة. حسنا، ما هي النتيجة الحقيقية لتلك الحرب؟ اضطرت حماس الى العودة الى ما يسمى التهدئة والى ملاحقة مطلقي الصواريخ من القطاع في اتجاه المستعمرات الاسرائيلية. ألم يكن في استطاعة حماس ان تفعل ذلك قبل الحرب الاخيرة وان توفرعلى اهل غزة ما يزيد على الف وثلاثمئة قتيل ونحو ستة الاف جريح فضلا عن تدمير نسبة خمسة عشرة في المئة من القطاع تدميرا كاملا... في مقابل سقوط عشرة قتلى إسرائيليين نصفهم عن طريق الخطا؟
لا فائدة من الحوار الفلسطيني- الفلسطيني ما دامت حماس ترفض المنطق السليم. يقول هذا المنطق انه لو كانت حماس انتصرت فعلا في حرب غزة، لكانت وجدت لنفسها مكانا في القمة العربية الأخيرة التي انعقدت في الدوحة. المشكلة ان لا مشروع سياسيا لدى حماس تطرحه على المجتمع الدولي. كل ما تستطيع عمله هو الاستفادة من حال الضياع لدى فتح. نعم، فتح ضائعة، ولكن هل يصلح ضياع فتح اساسا لبناء مشروع سياسي للفلسطينيين؟
ان المشروع الوحيد المتوافر حاليا هو مشروع الدولتين الذي فيه إجحاف كبير للشعب الفلسطيني. لكنه المشروع الوحيد الممكن. انه المشروع الوحيد المقبول من المجتمع الدولي الذي اعترض على سياسات حكومة نتانياهو التي لا مستقبل لها. عاجلا أم اجلا، سيعود بيبي الى بيته وسيكون في احسن الاحوال زعيما للمعارضة. على الفلسطينيين تفادي السقوط في فخ التطرف. انه فخ اسرائيلي اولا واخيرا. التطرف الاسرائيلي الذي تعبر عنه حكومة نتانياهو لا يمكن ان يواجه سوى بالتمسك بالثوابت الفلسطينية، اي بمشروع الدولتين. كل ما عدا ذلك سقوط في لعبة لا مصلحة للفلسطينيين فيها. لا يمكن لهذه اللعبة ان تؤدي الى اي مكان باستثناء انها تحول الشعب الفلسطيني الى وقود في معارك وصراعات اقليمية لا علاقة له بها ولا مصلحة له فيها. هل مطلوب من الشعب الفلسطيني ان يكون مرة اخرى وقودا في معارك من هذا النوع لا تصب سوى في مصلحة المحور الإيراني- السوري الساعي الى عقد صفقات مع الاميركيين والاسرائيليين على حساب الفلسطينيين واللبنانيين الذين يشكلون اوراق قوة في لعبة شد الحبال التي تشهدها المنطقة حاليا؟
من لديه ذرة عقل يرفض العودة الى الحوار الفلسطيني- الفلسطيني. لا فائدة من الحوار نظرا الى انه ليس هناك ما يمكن ان تتفق عليه فتح وحماس وليس هناك اي قاسم مشترك بين حماس والسلطة الوطنية الفلسطينية. هناك بكل بساطة طرف يريد التعاطي مع الواقع والتصدي للاحتلال الاسرائيلي، فيما هناك طرف اخر يعتقد ان الرد على التطرف الاسرائيلي يكون بمزيد من التطرف الفلسطيني. هل تسمح موازين القوى بذلك؟ كانت حرب غزة الاخيرة التي وقف في اثنائها العالم يتفرج على الوحشية الاسرائيلية، بل يصفق لها، دليلا على ان التطرف الفلسطيني يخدم التطرف الاسرائيلي. هل هذه اللعبة التي تريد حماس ممارستها؟ في حال كان الامر كذلك، من الافضل ان يتوقف الحوار الفلسطيني- الفلسطيني. لا فائدة من حوار يصب في خدمة الاحتلال الاسرائيلي لا أكثر ولا أقلّ. ليتحمل كل طرف مسؤولياته في ظل موازين للقوى لا تسمح بأكثر من البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية. انه، للأسف الشديد، اللعبة الوحيدة في المدينة، كما يقول الأميركيون.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.