كانت قمة الدوحة نجاحا لامير الدولة الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني الذي استطاع تفادي مطبات كثيرة. استوعب قبل اي شيء اخر العقيد معمر القذافي الذي كان يمكن ان يطيح بالقمة. ولعل النجاح الابرز للشيخ حمد تمثّل في تحقيق شبه مصالحة بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز والزعيم الليبي. وتندرج شبه المصالحة في تعزيز اجواء التهدئة بين العرب استكمالا لما بدأ في قمة الكويت حيث طرح العاهل السعودي مبادرته التي ادت الى بعض الانفراج على الصعيد العربي عموما. ولعب هذا الانفراج دورا في التئام القمة في موعدها بحضور عدد لا بأس به من الزعماء العرب ولكن في غياب الرئيس حسني مبارك الذي ترك غيابه من دون شك فراغا في ظل الاجواء الاقليمية السائدة والتي اقل ما يمكن ان توصف به انها معقّدة الى درجة كبيرة.
في حال وضعنا جانبا النجاح القطري الذي كان من بين اسبابه الحرص الذي ابداه المسؤولون في الدولة على راسهم الامير ورئيس الوزراء الشيخ حمد بن جاسم بن جبر ال ثاني على ابقاء الجسور مفتوحة مع مصر عبر اعتماد لهجة في غاية الديبلوماسية، لا يمكن تجاهل فوائد اخرى عدة للقمة العربية العادية التي حملت الرقم 21.
كانت القمة مفيدة نظرا الى تأكيدها مدى عمق الانقسامات العربية من جهة وقدرة العرب العقلانيين على ابقاء المبادرة في يدهم من جهة اخرى. وظهر ذلك جليا من خلال رفض الدخول في رهانات خاسرة سلفا من نوع اعلان تعليق المبادرة العربية او الحديث عن المقاومة والانتصارات التي حققتها حماس في غزة وهي انتصارات على الشعب الفلسطيني اوّلا. كل ما في الامر ان العرب في الدوحة عرفوا كيف يتخذون موقفا بعيدا عن المزايدات والشعارات الفارغة وذلك عندما اعلنوا عن وقوفهم مع السلطة الوطنية الفلسطينية والمؤسسات الشرعية على رأسها منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ابو مازن. كانت جائزة الترضية الوحيدة التي حصلت عليها حماس، التي كانت تطمح الى ان تكون ممثلة، او لنقل حاضرة، بطريقة ما في الدوحة اشارة البيان الختامي الى شرعية المجلس التشريعي الفلسطيني حيث لها اكثرية. من حسن الحظ ان حماس لم تكن موجودة في القمة وذلك تفاديا للكلام الذي لا معنى له عن تحرير فلسطين من البحر الى النهر في وقت دمّرت اسرائيل بوحشيتها المعهودة نسبة خمسة عشر في المئة من غزة فيما العالم يتفرج للاسف الشديد وفيما بعض العرب وغير العرب يركزون هجومهم على مصر بدل دعم جهودها لانقاذ ما يمكن انقاذه بما في ذلك تحقيق مصالحة فلسطينية ـ فلسطينية ذات معنى. لا معنى لاي مصالحة فلسطينية من دون اعتماد برنامج واضح يحدد فيه الفلسطينيون اهدافهم كما وردت في اعلان الدوحة. تتمثل الاهداف الفلسطينية في اقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية استنادا الى قرارات الشرعية الدولية. اي خرق لهذه القرارات سيعود بالكوارث على القضية الفسطينية وعلى العرب عموما وذلك لسبب واضح كل الوضوح يعود الى حاجة العرب الى الشرعية الدولية لاستعادة حقوقهم في ظل موازين القوى القائمة. لا يكفي الحديث عن انتصار لـحماس في غزة كي يكون هناك انتصار حقيقي. لا يكفي الحديث عن انتصار لـحزب الله صيف العام 2006 في لبنان، كي يكون لبنان انتصر في حين لحقت به هزيمة ساحقة ماحقة... وللبناء على انتصار هو في الواقع هزيمة!
كان هناك مقدار كبير من العقلانية في الدوحة. تجلت العقلانية في طريقة التعاطي مع الرئيس السوداني عمر حسن البشير الذي جاء الى الدوحة معتقدا انه يتحدى العالم. كل ما في الامر ان البشير جاء الى القمة العربية لان مسؤولا اميركيا اكد قبل مغادرة الرئيس السوداني للاراضي السودانية ان الطائرات الاميركية لن تعترض طائرته. كل ما فعلته قمة الدوحة انها اتخذت موقفاً حازما من مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية في حق البشير. رفضت القمة اي نوع من التهور ولم تتخذ موقفا من المحكمة الجنائية الدولية نفسها، كما شاء بعضهم. المحكمة شيء والمذكرة في حق البشير شيء آخر. وستكون بالفعل شيئاً آخر في حال صدور قرار عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة في ايلول او تشرين الاول المقبل في شأن دارفور. سيتبين عندئذ ما اذا كان في استطاعة البشير مغادرة الاراضي السودانية في طائرته او طائرة غيره ام لا.
كانت قمة الدوحة انعكاسا للوضع العربي كما هو. انه وضع هش الى درجة ان الموقف المائع الذي اتخذته القمة من الاحتلال الايراني للجزر الاماراتية الثلاث، طنب الكبرى وطنب الكبرى وابو موسى، أثار طهران. اعتبرت ذلك تدخلاً في شؤونها الداخلية كما لو ان الاحتلال الايراني للجزر من النوع الخفيف الظل وليس مثل الاحتلال الاسرائيلي للجولان. في النهاية ما الفارق بين الجزر الثلاث والجولان!
كانت قمة الدوحة قمة الصدق العربي. لذلك كان لا بدّ من اسدال الستارة سريعا. كان من الافضل الاكتفاء بشبه المصالحة السعودية ـ الليبية تفاديا للسقوط في الرمال المتحركة التي يصعب الخروج منها. كان انهاء القمة سريعا السيناريو الافضل للمرحلة الراهنة. لا يمنع ذلك من الاعتراف بان نهج الاعتدال انتصر على نهج التطرف وان لا مفر عاجلا ام اجلا من جولة اخرى بين العرب انفسهم تظهر ما اذا كان في الامكان جلوس العرب حول مائدة والحديث عن الواقع وليس عن اوهام من نوع ان الشرعية الوطنية فوق الشرعية الدولية وان الخيار الوحيد امام العرب هو المقاومة. مقاومة من... بواسطة من؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.