لماذا الهجمة على بيروت الاولى، على الاشرفية تحديدا. هل من اجل ان يثبت النائب ميشال عون انه لا يزال يمتلك شعبية لدى المسيحيين؟ ولذلك في استطاعته انزال عصا وتحويلها الى نائب في معقل من معاقل الوطنية اللبنانية الصرفة؟ عاجلا ام آجلا سيرد اهل الاشرفية والصيفي والرميل على تلك النكتة السمجة التي اسمها الجنرال. سيردون عليه عن طريق اثبات ان ثمة وفاء لديهم. انه وفاء للقيم الوطنية اللبنانية اولا، وفاء يتمثل في رفض اولئك الذين تتغير الوانهم مع الفصول واتجاه الريح، اولئك الذين لا يعرفون شيئا عن السياسة والاقتصاد والعسكرية. اولئك الذين تخصصوا في الانتهازية والرخص وفي استحضار الهزائم والكوارث...
سيسقط اللبنانيون ميشال عون ومن على شاكلته في الاشرفية والصيفي والرميل نظرا الى انهم يدركون ان الدائرة الاولى في بيروت ليست بدلا عن ضائع وان لديها رجالها ونساؤها من كل الطوائف والمذاهب يستطيعون تمثيلها خير تمثيل. والاهم من ذلك، ان ابناء بيروت الاولى ينتمون اليها ويدافعون عن مصالحها ليس لانهم ولدوا فيها فحسب، بل لانهم يدافعون ايضا عن لبنان اوّلا، عن تلك الروح التي مكنت الاشرفية من الصمود في وجه كل الغزوات، بما فيها محاولات ميشال عون لضمها الى المربع الامني لـحزب الله في الثالث والعشرين من كانون الثاني ـ يناير 2007. وقتذاك، كانت الخطة تقضي بالاعلان عن اضراب عام ونزول الى الشارع والتقاء بين انصار حزب الله وانصار ميشال عون عند مستديرة الصياد في الحازمية، كي تسقط بيروت، كل بيروت في يد المحور الايراني ـ السوري ويسقط معها لبنان.
سقط ميشال عون في بيروت الشرقية وعند تقاطع الطرقات المؤدية اليها اولا. سقط عندما نزل الناس العاديون الى الشارع وطوقوا الغوغاء ومنعوا ازلامه من تشكيل راس جسر لـحزب الله كي يضم المناطق ذات الاكثرية المسيحية الى مربعه الامني، على غرار ضمه حارة حريك مسقط رأس ميشال عون الى هذا المربع. ما دام ميشال عون حريصا كلّ هذا الحرص على حقوق المسيحيين، بدل ان يحصر حرصه في اثارة الغرائز المذهبية والطائفية، لماذا لا يعود الى حارة حريك ويقيم فيها؟ هل لانه يرفض صيغة العيش المشترك بين اللبنانيين ويعتبر قضية المهجرّين مادة تصلح للمتاجرة بها بين الحين والاخر؟
هناك الف سبب وسبب كي يسقط مرشحو ميشال عون في دائرة بيروت الاولى التي لا يتجرّا، هو شخصيا، على الترشح فيها وحتى على النزول الى شوارعها وساحاتها. ربما كان السبب الاول ان اهل بيروت باتوا يعرفون تماما من اعاد الحياة الى مدينتهم ومن ازال السواتر الترابية من شوارعها ثم بناها حجرا حجرا كي تصبح لؤلؤة المتوسط. كذلك، يعرفون جيّدا من عمل على مد الجسور بين اللبنانيين رافضا كل انواع الميليشيات المسلحة التي تعبث بامن المواطن. يعرفون فوق ذلك كله من عمل من اجل ان تكون بيروت مدينة مؤمنة بثقافة الحياة منفتحة على محيطها العربي وعلى العالم بكل ثقافاته، بدل ان تكون مجرد مزبلة. لا تزال بيروت الاولى جزءا من بيروت وكانت من بين اكثر المستفيدين من اعادة اعمار وسط المدينة ومن عودة الحياة اليها ومن زوال الحواجز والمربعات الامنية التي لا تزال للاسف موجودة في مناطق اخرى لا تبعد عنها كثيرا!
نسي ميشال عون ان بيروت ستبقى وفية لاولئك الذين دافعوا عنها وعملوا من اجل نهوضها واستعادة دورها الحضاري. ستبقى وفية لرجال مثل الراحل الكبير الشيخ بيار الجميل وفؤاد بطرس وغسان تويني، امد الله بعمرهما، وستبقى وفية لكل شهدائها من بشير الجميل الى جبران تويني وجورج حاوي الى سمير قصير، صاحب افضل ما كتب عن العاصمة... الى بيار امين الجميل. ولكن اكثر ما نسيه ميشال عون هو ما فعله شخصيا ببيروت عندما قصف احياءها فقتل مسلمين ومسيحيين ثم مكّن السوري من دخول قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية وفرض نظام الوصاية على كل شبر من ارض لبنان.
بيروت مدينة مقاومة. قاومت كل من حاول فرض وصايته عليها في الماضي وقاومت غزوة حزب الله في السابع من ايار ـ الماضي. قاومت بالكلمة الذين احتلوا بقوة السلاح وسط المدينة واعتدوا على الاملاك الخاصة والعامة. وكان ميشال عون بين هؤلاء. وقاومت في كانون الثاني 2007 محاولة الحاقها بالمربع الامني للحزب المسلح الذي ليس سوى لواء في الحرس الثوري الايراني. كان على ميشال عون ان يفهم منذ فشله في ذلك اليوم المشؤوم انه مرفوض من اهل بيروت واللبنانيين الشرفاء عموما ومن المسيحيين خصوصا. كان عليه ان يفهم ان لعبته صارت مكشوفة وانه ليس سوى اداة تستخدم لتغطية الجرائم التي ترتكب في حق لبنان واللبنانيين وصولا الى قبوله بتبرير قتل ضابط طيّار في الجيش اللبناني اسمه سامر حنا لمجرد انه حلق في طائرته فوق الارض اللبنانية...
هل يمكن ان يقبل اهل الاشرفية بذلك؟ هل يمكن ان يقبل اهل الصيفي بذلك؟ هل يمكن ان يقبل اهل الرميل بذلك؟ الاكيد ان الاشرفية ترفض بلوغ هذه الدرجة من الهبوط وهذا المستوى من الخداع والنفاق والمتاجرة بدم الشهداء، بدم كل من رفض ان يكون مذهبيا وطائفيا وقال بالفم الملان: لبنان اوّلا.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.