8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

هل تستطيع سوريا أن تتصالح مع نفسها؟

في الثامن من اذار من العام 1963، استولى حزب البعث على السلطة في سوريا اثر انقلاب عسكري. في ستة وأربعين عاما، تغير الكثير في سوريا كما لم يتغيّر شيء.تغيّرت سوريا نحو الاسوأ داخليا ولم يتغير شيء على صعيد العقلية التي تحكم البلد وتتحكم به. كل ما حصل هو تطوير لشعارات تستخدم في تغطية العجز والازمة العميقة لنظام لم يعد يستطيع التكيف مع التحولات الاقليمية والدولية مكتفيا بممارسة القمع وفرض الخوف والرعب على المجتمع بغية تفريغه من طاقاته الحقيقية، من البشر القادرين على تحويل سوريا الى بلد طبيعي مزدهر، ثروته الاولى الانسان وليس المواطن الذي يعتبر نفسه جزءا من قطيع غنم ليس الا.
ما تغيّر حقيقة في سوريا يتمثّل في التدهور الذي اصاب المجتمع. صار الفساد امرا اكثر من عادي وطبيعي. صار المواطن يتقبل الفساد ويتقبل القمع ويتقبل النظام الخائف من مجرد كاتب اسمه ميشيل كيلو ويخاف منه. ما هذا النظام الذي يخاف من ميشيل كيلو السبعيني الموجود في السجن لمجرد انه كتب مقالا لم يعجب هذا المسؤول او ذاك!
آن اوان ان تتصالح سوريا مع نفسها وذلك قبل ان تتصالح مع العرب الاخرين. هناك ازمة حقيقية اسمها ازمة النظام السوري الذي كان قادرا في مرحلة ما على الاستفادة الى ابعد حدود من التناقضات العربية، خصوصا من النظام العائلي- البعثي في العراق الذي كان نظاما مكروها ليس من العراقيين فحسب، بل من جيرانه العرب وغير العرب ايضا. كان النظام السوري طوال فترة طويلة حاجة اقليمية كونه يقيم توازنا مع النظام البعثي الاخر في العراق. ولا شك ان الرئيس الراحل حافظ الاسد كان عبقريا في الاستفادة من اخطاء صدّام حسين وعدم قدرته على استيعاب المعادلات الاقليمية والدولية والتعاطي معها. لقد اقدم صدّام في مرحلة معينة ان دعم الجنرال عون لدى استيلائه على قصر بعبدا في الاعوام 1988 و1989 و1990 بحجة انه رئيس لحكومة انتقالية مهمتها تسهيل عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية في اسرع وقت. كان لبنان هدية صدّام الى الاسد الاب في مرحلة كان على النظام السوري اعادة حساباته الاقليمية والدولية مع انتهاء الحرب الباردة وسقوط جدار برلين في تشرين الثاني- نوفمبر من العام 1989.
أن تتصالح سوريا مع نفسها في العام 2009، يبدأ بالاعتراف بأن الشعارات التي يرفعها النظام من النوع الذي عفا عنه الزمن. على رأس هذه الشعارات الكلام عن المانعة و المقاومة. عن اي مقاومة يتحدث نظام حول خط وقف النار مع اسرائيل بموجب اتفاق فك الاشتباك الموقع في العام 1974 الى خط تعايش مع الاحتلال. لم تطلق طلقة واحدة من الجولان طوال خمسة وثلاثين عاما، فيما كانت المقاومة من لبنان المطلوب منه ان يكون الجبهة العربية الوحيدة المفتوحة مع اسرائيل نظرا الى ان اسرائيل راغبة في ذلك، بل تحبذ بقاء الجنوب ينزف فيما في الامكان تحويله جنة يعيش فيها اهله بسلام وأمان. عن اي ممانعة يتحدث النظام السوري في وقت ليس في دمشق او غير دمشق مواطن واحد يمتلك ذرة من العقل لا يعرف ان الشعارات شيء والواقع شيء اخر. يعرف المواطن السوري، قبل المواطن اللبناني، ان المقصود بالكلام عن ان ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة موجه الى لبنان قبل ان يكون موجها الى اسرائيل وهو يعكس رغبة بالعودة الى لبنان لعرقلة عمل المحكمة الدولية التي تنظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والجرائم الاخرى التي بدأت بالتمديد للرئيس اميل لحود عن طريق ممارسة الارهاب والترهيب في حق النواب اللبنانيين...
ان تتصالح سوريا مع نفسها، يعني قبل كل شيء ان على النظام الاجابة عن اسئلة من نوع لماذا تهريب اسلحة الى لبنان؟ لماذا القواعد الفلسطينية المسلحة في مناطق مختلفة من الاراضي اللبنانية بدعم سوري مباشر؟ لماذا التدخل بهذه الطريقة الفظة في الشؤون الداخلية اللبنانية؟ الا يدرك المخاطر على الامن العربي عموما جراء تشجيع حزب مذهبي مسلح يتلقى اوامره من ايران على اقامة دويلته في لبنان؟ هل ستكون سوريا، كدولة عربية، في منأى عن التأثيرات السلبية لمثل هذه الظاهرة الخطيرة التي لم يشهد التاريخ العربي مثيلا لها؟
ما قد يكون اهم من ذلك كله، لماذا لا يوجد رجل اعمال سوري ناجح فعلا، وليس عن طريق الوسائل الملتوية، يوظف امواله في سوريا كما فعل رجال الاعمال السوريون الهاربون من حكم البعث في لبنان؟ هناك مئات المشاريع لرجال اعمال سوريين في لبنان. هناك مقاولون ناجحون وكبار رجال المصارف وأصحاب شركات ووكالات تجارية وهناك احياء في العاصمة بناها سوريون كان لهم فضل كبير في ازدهار بيروت. لماذا لا يقدم النظام السوري الا ذلك الوجه البشع للبنانيين، وجه السلاح المليشيوي في بيروت ومحيط بيروت والشمال والجنوب وغير ذلك من المناطق؟
أن تتصالح سوريا مع نفسها لا يحتاج الى قمة عربية موسعة او صغيرة. الحاجة، ربما، الى تغيير عميق في الذهنية يسمح بالعودة الى ماقبل البعث، الى البحث الجدي في المشاكل الحقيقية للمجتمع السوري والادارة السورية ومخاطر النمو السكاني العشوائي وغياب البرامج التعليمية المتطورة والتنمية المتوازنة فضلا عن وجود الشرخ الطائفي والمذهبي...الذي يؤدي الى مزيد من التطرف الديني. هذا التطرف يمثل تعبيرا عن الجهل، في اوساط معينة من المجتمع تهرب الى التطرف في ظل انسداد ابواب الخيارات السياسية انسدادا كاملا بسبب طبيعة النظام.
في الذكرى السادسة والاربعين لوصول البعث الى السلطة في سوريا هل يمكن الحديث عن ازمة مجتمع معطوفة على ازمة النظام؟ هل تستطيع سوريا ان تتصالح مجددا مع نفسها في ظل النظام القائم؟ هل تستطيع ان تتصالح مع العرب يوما... عبر بوابة لبنان، عبر وقف تدفق الاسلحة الى اراضيه والتخلي عن وهم الدور الاقليمي الذي يؤمنه لبنان!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00