كان مفيدا انعقاد مؤتمر الحوار الفلسطيني في القاهرة قبل أيام قليلة من مؤتمر شرم الشيخ لإعادة إعمار غزة. تكمن فائدة الحوار الفلسطيني- الفلسطيني في أنه يمكن أن يفضي في مرحلة معينة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية. مثل هذه الحكومة ستشكل الآلية التي يمكن من خلالها الاستفادة من الأموال المخصصة لإعادة إعمار غزة وصرف الأموال في تنفيذ مشاريع تصب في إعادة إعمار القطاع. لا بدّ هنا في طرح سؤال في غاية البساطة. لماذا استطاع الوحش الإسرائيلي تدمير ما لايقلّ عن نسبة خمسة عشرة في المئة من غزة؟ من وفر للعدو الإسرائيلي فرصة تدمير جزء لا بأس به من غزة في ظل لامبالاة عالمية بما حل بالقطاع أو بالسكان المدنيين الذين لا علاقة لهم بالحرب التي تشنها حماس انطلاقا من غزة لاستعادة فلسطين من البحر إلى النهر أو من النهر إلى البحر، لا فارق. هل غزة هانوي العرب التي يمكن استخدامها نقطة انطلاق لتحرير فلسطين، كل فلسطين؟
لا شك أن الفلسطينيين سيتوصلون عاجلا أم آجلا إلى حكومة وحدة وطنية. هناك تفاهم بين فتح و حماس على مثل هذه الحكومة التي تعني التخلص من حكومة الدكتور سلام فيّاض التي تشكل عمليا الآلية الأفضل لإعادة إعمار غزة. ولكن ما العمل عندما سيكون مفروضا على الفلسطينيين التخلي عن حكومة فعّالة إرضاء لـفتح، التي تحسد سلام فياض على فاعليته لا أكثر ولا اقلّ، وإرضاء لـحماس التي تريد في أي شكل أن تكون في صلب حكومة مقبولة من المجتمع الدولي تشرف على إعادة إعمار غزة ولديها مئات ملايين الدولارات في تصرّفها...
تكمن المشكلة الفلسطينية في الوقت الراهن بأن ثمة من لا يفكّر في ما هو أبعد من حكومة الوحدة الوطنية. نعم، هناك حاجة إلى حكومة وحدة وطنية. لكن السؤال المطروح بإلحاح هو الاتي: حكومة من أجل ماذا؟ هل ستكون هناك حكومة وحدة وطنية تمتلك برنامجا سياسيا واضحا، أم ستكون هناك حكومة وحدة وطنية لا هدف لها سوى التحايل على المجتمع الدولي وضمان وصول بعض المساعدات إلى غزة لا أكثر بغية صرفها على المتضررين وإسكات الأصوات التي تطالب بمحاسبة حماس على ما آل إليه الوضع في القطاع. في النهاية، لا بدّ من الاعتراف بأن كارثة لحقت بغزة وأن حديث حماس عن انتصار، مبني على وهم، لا يجرّ سوى إلى كارثة أخرى ما دام الجانب الإسرائيلي على استعداد يومي لاستخدام غزة في لعبة التجاذبات الداخلية. كل ما في الأمر أن اليمين الإسرائيلي بزعامة بنيامين نتنياهو سيحاول أن يثبت للذين أقل تطرفا منه أنه على استعداد لممارسة مزيد من الإرهاب ردا على ما تسميه حماس أو بعض المزايدين عليها مثل حركة الجهاد الإسلامي فعل مقاومة. ما هذه المقاومة المضحكة- المبكية التي تريد تحرير فلسطين عن طريق الصواريخ التي تطلق من غزة؟
المطروح حاليا، بكل بساطة، ما الذي سيفعله الفلسطينيون من أجل تحقيق هدفهم الوطني؟ هل في استطاعتهم الإتفاق على هدف موحد؟ أن صعوبة الإتفاق على هدف وطني موحّد تعطي فكرة عن عمق الأزمة الفلسطينية. هناك برنامج سياسي واضح لمنظمة التحرير الفلسطينية يدعو صراحة إلى قيام دولتين على أرض فلسطين. وهناك في المقابل برنامج لـحماس يتفق مع ما ينادي به الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ويدعو إلى إزالة إسرائيل من الوجود. هل تسمح موازين القوى بذلك؟ هل تريد إيران فعلا إزالة إسرائيل أم تريد إستخدام حماس والشعب الفلسطيني ورقة في المفاوضات التي تخوضها مع الشيطان الأكبر الأميركي من أجل تحسين مواقعها في المنطقة على حساب كلّ ما هو عربي فيها؟
هناك خياران واضحان أمام الفلسطينيين. أمّا التصرّف بما يتفق وموازين القوى الإقليمية والدولية، مع ما يعنيه ذلك من التزام بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية والذي عمره ما يزيد على واحد وعشرين عاما، أي أنه بلغ سن الرشد، أو السير خلف السراب. السير خلف السراب يعني أن مؤتمر شرم الشيخ لن يقود إلى أي مكان. يمكن تشكيل حكومة فلسطينية تساعد في إعادة إعمار غزة. ولكن يبقى السؤال الحقيقي ما هو المشروع السياسي الفلسطيني؟ من دون تحديد مشروع واضح موجود أصلا، لا يمكن تفادي عملية تدمير إسرائيلية أخرى لغزة. ماذا ينفع الحديث عن خمسة مليارات دولار وأكثر لإعادة إعمار غزة، في حال كان مطلوبا أن تستمر غزة تقاوم من أجل أن يثبت المحور الإيراني- السوري أنه لاعب إقليمي وأن لا حل في فلسطين أو العراق أو لبنان من دون أخذ في الاعتبار لما يعتبره مصالح مشروعة بما في ذلك إعادة نظام الوصاية على لبنان.
أبعد من مؤتمر شرم الشيخ وأبعد من المبالغ التي خصصها المؤتمر لإعادة إعمار غزة،هل يرضى الفلسطينيون في أن يستمروا وَقودا في الصراعات الأقليمية... أم يقتنعوا أخيرا بأن ليس أمامهم سوى العودة إلى القرار المستقل الذي استشهد ياسر عرفات من أجله؟
يمكن أن تشهد الأسابيع المقبلة تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية. هل يكون ذلك خطوة على طريق استعادة القرار الفلسطيني المستقل في اتجاه إقامة الدولة الفلسطينية التي يقف اليمين الإسرائيلي في وجهها، أم أن كل ما هو مطلوب إيجاد آلية لإدخال المساعدات إلى غزة... في انتظار اليوم الذي ستعود فيه إسرائيل إلى تدمير قسم منها مجددا؟ لا بدّ من وجود سلطة وطنية فلسطينية قادرة على تحديد الأولويات، بما في ذلك أن غزة تحتاج قبل المساعدات إلى أن تكون جزءا من مشروع سياسي وطني فلسطيني ذي هدف واضح ومحدد. وحده المشروع الوطني الواضح يحمي غزة ومستقبل أهل غزة من الوحش الإسرائيلي ومن مشروع تكريس وجود كيانين فلسطينيين مستقل كل منهما عن الآخر! وحده المشروع الوطني يحمي الفلسطينيين من نكبة أخرى، نكبة الكيانين الفلسطينيين...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.