8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

العالم لم يتغيّر والمحكمة الدولية جدية

من يخشى العدالة يخشى وصول الضباط الأربعة، الذين كانوا يتولون مسؤولية الأمن على الأراضي اللبنانية في عهد الوصاية، الى لاهاي حيث مقر المحكمة الدولية. الموضوع ليس موضوع تصفية حسابات شخصية لهذا الطرف أو ذاك مع أي من الضباط بمقدار ما هو موضوع مرتبط بالعدالة. ليس هناك من يريد الثأر من الضباط. هناك بكل بساطة من يريد معرفة الحقيقة من جهة، ووقف مسلسل الاغتيالات في لبنان من جهة أخرى. آن أوان وقف الاغتيالات التي طاولت كل من سعى الى أن يكون لبنان سيداً حرّاً مستقلاً وذلك منذ تصفية كمال جنبلاط في آذار من العام 1977 من القرن الماضي أي قبل اثنين وثلاثين عاماً. ليس سراً من قتل كمال جنبلاط، كما ليس سرّاً من قتل الرئيس المنتخب بشير الجميل في العام 1982، ولم يعد سراً من تخلص من رينيه معوض في العام 1989 وقبل ذلك من المفتي حسن خالد...
اللائحة طويلة. سيأتي يوم تتوضح الأمور أكثر. ولكن ما لا بدّ من تذكره باستمرار هو أن قواعد اللعبة تغيّرت في مرحلة ما. لم يعد المجتمع الدولي، خصوصاً بعد انتهاء الحرب الباردة، على استعداد لتقبل ما كان معمولاً به قبل ذلك. انتهت الحرب الباردة قبل تفكك الاتحاد السوفياتي وانهياره أواخر العام 1991. انتهت عملياً عندما سقط جدار برلين في تشرين الثاني 1989. ثمة من فهم أن العالم دخل مرحلة جديدة، وثمة من رفض تقبل ذلك وذهب الى حد الاعتقاد أن في استطاعته ملء الفراغ الناجم عن انهيار القوة العظمى الثانية في العالم.
كان الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين من بين الذين لم يستوعبوا المعادلة الجديدة في العالم وفي المنطقة. لذلك ارتكب الخطأ الذي أوصله الى حبل المشنقة. تمثل الخطأ في احتلال الكويت صيف العام 1990. اعتقد صدّام في حينه أنه قوة لا يمكن الاستغناء عنها في المعادلة الشرق أوسطية، وأن العالم سيدخل في مفاوضات معه من أجل تفادي الاصطدام به عسكرياً. كانت رهانات الرئيس العراقي الراحل خاطئة بكل المقاييس. لم يدر في حينه أنه لم يعد وجود للاتحاد السوفياتي، وأنه كان عليه الانسحاب من الكويت من دون مفاوضات، ومن دون شروط من أي نوع كان. في النهاية، دفع النظام العائلي ـ البعثي في العراق ثمن ما كان يسميه برزان التكريتي، الأخ غير الشقيق لصدّام، ابتلاع السمّ. كان هذا السمّ، بالنسبة الى برزان، الذي أعدم بدوره لأسباب ذات علاقة بثأر ذي طابع شخصي لحزب الدعوة، يتمثل في عدم قدرة صدّام على فهم المعادلات العربية والاقليمية واستيعابها والتحرك انطلاقاً منها. لم يستطع صدّام التخلص من السمّ الذي سكن الجسد العراقي، لم يستطع تعلم شيء من درس الكويت، فكانت النتيجة ما حصل في العام 2003 عندما راح نظامه ضحية ما يسمّى الحرب على الإرهاب التي شنتها إدارة بوش الابن.
في المقابل كان الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد قادراً على استيعاب المعادلات الاقليمية والدولية فشارك في حرب تحرير الكويت. قاتلت قواته الى جانب القوات الأميركية والعربية التي خاضت الحرب، واستطاع أن يُخرج من قصر بعبدا من كان متحالفاً مع صدّام حسين، أي الجنرال ميشال عون الذي سارع الى الهرب في اتجاه السفارة الفرنسية التي لم تكن بعيدة عن قصر الرئاسة. كانت الجائزة التي حصل عليها الرئيس السوري الراحل كل لبنان، ولكن لفترة محددة، وفي إطار خطوط حمر معيّنة. هل توقف استيعاب النظام السوري للمعادلات الاقليمية والدولية مع غياب حافظ الأسد؟ السؤال يطرح نفسه بإلحاح منذ الإصرار على التمديد لأميل لحود في أيلول من العام 2004 على الرغم من صدور القرار الرقم 1559 عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
تمثل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تعبيراً عن قصور لدى النظام السوري عن فهم ما يدور في العالم والمنطقة. أكثر من ذلك، هناك قناعة لدى عدد من المسؤولين السوريين وعدد لا بأس به من يتامى النظام الأمني السوري ـ اللبناني في لبنان نفسه بأن سوريا خرجت من عزلتها، وأن طريقة تعاطي العالم معها تبدلت، وأن المحكمة الدولية ليست جدية. من هذا المنطلق، تُبذل حالياً محاولات لإطلاق الضباط الأربعة، وكأن رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما كانوا ضحية حادث سير أو رذالة على حد تعبير الرئيس السابق اميل لحّود لدى وصفه ما حصل في الرابع عشر من شباط 2005 ودعوته الى إزالة معالم الجريمة في أسرع ما يمكن كي تذهب الناس الى أشغالها.
بعد أربع سنوات على اغتيال رفيق الحريري، يتبيّن أن العالم لا يزال على تمسكه بكشف الحقيقة والاقتصاص من الذين يفقون وراء اغتيال الرجل ورفاقه والجرائم الأخرى التي كان لبنان مسرحاً لها طوال ثلاث سنوات. بكلام أوضح، إن جريمة اغتيال رئيس الوزراء السابق والجرائم الأخرى في حجم جريمة احتلال صدّام للكويت. من لا يريد أن يصدق ذلك يستطيع العودة الى قراءة التقارير الصادرة عن المحققين الدوليين الذين تعاطوا مع اغتيال رفيق الحريري. في البداية، كان التقرير الذي وضعه الضابط الايرلندي بيتر فيتزجيرالد الذي كان على رأس لجنة لتقصي الحقائق أرسلها الأمين العام للأمم المتحدة الى بيروت بعد أحد عشر يوماً على اغتيال الحريري. ورد في التقرير المقطع الآتي نصه: إن الأجهزة الأمنية اللبنانية أظهرت إهمالاً منظماً وخطيراً في القيام بالواجبات التي تؤديها عادة الأجهزة الأمنية الوطنية المحترفة. وخلال قيامها بذلك، فشلت على نحو خطير في توفير مستوى مقبول من الأمن، وهي لذلك ساهمت في انتشار ثقافة الترهيب والإفلات من العقاب. وتشارك الاستخبارات العسكرية السورية في هذه المسؤولية من خلال تورطها في إدارة الأجهزة الأمنية اللبنانية. هل من جواب شافٍ أكثر من هذا النص عن الأسباب التي تدعو الى عدم إطلاق الضبّاط الأربعة، خصوصاً أن أياً من المحققين الثلاثة الذين جاؤوا بعد فيتزجيرالد لم يشكك في تقريره اليتيم!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00