8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

اتحاد المغرب العربي هل هو حاجة انتفت؟

قبل عشرين عاماً، قام اتحاد المغرب العربي الذي ضم المملكة المغربية والجزائر وليبيا وتونس وموريتانيا. إنه تجمع يضم خمس دول عربية يجمع بينها الكثير كما يفرقها الكثير. ولكن، لدى النظر الى المصالح المشتركة في ما بينها، فإن ما يجمع بين الدول الخمس أكبر بكثير مما يفرق. كان الهدف من هذا التجمع الاقليمي التوصل الى نوع من الاتحاد المرن بين الدول الخمس، وذلك على نسق الاتحاد الأوروبي. كان الطموح كبيراً بدليل تسمية التجمع بـالاتحاد. بعد عشرين عاماً، لم يبق من الاتحاد شيئا. تحول الاتحاد الى قصص نجاح فردية لكل دولة من الدول الخمس. يعطي ذلك فكرة عن الفشل العربي عموماً في القيام بأي جهد مشترك لولا استثناءات قليلة تبقى ضمن حدود معينة تحققت في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي تأسس في أبوظبي في العام 1981. لا يزال المجلس يعقد قمته السنوية، ولا يزال يقدم على خطوات معينة وإن متواضعة ولا تزال لديه أمانة عامة تعمل وتجهد، قدر المستطاع طبعاً. لا يزال حيّاً يرزق، ربما لأنه تفادى استخدام كلمة اتحاد واكتفى بتسمية مجلس التعاون تعبيراً عن مقدار كبير من الواقعية والبصيرة والتفهم لأحوال المنطقة يتقنه القادة المؤسسون من طينة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، الذي أستضاف القمة الأولى للمجلس في عاصمة دولة اتحادية. ربما كان الاتحاد الذي نجح في تحقيقه هو الذي مكنه من معرفة متى يتوجب استخدام كلمة اتحاد ومتى لا بد من تفاديها والاكتفاء بالممكن بدل البحث عن المستحيل.
في عشرين عاماً، تغيّرت كل من الدول الخمس التي تشكل منها اتحاد المغرب العربي.
تغيّر المغرب الذي اندفع في اتجاه الفضاء الليبيرالي سياسياً واقتصادياً وعمل على تقوية مؤسسات الدولة ومكافحة ظاهرة الارهاب في وقت انصرف الملك محمد السادس الى معالجة ما يعتبره الهمّ الأول للمملكة، أي مواجهة الفقر عن طريق التنمية الشاملة والمتوازنة لكل المناطق، من أقصى الجنوب في الصحراء الى الشاطئ المطل على البحر المتوسط. والأهم من ذلك كله، كان اتجاه محمد السادس ألى الانفتاح على العالم وعلى أوروبا التي هي على مرمى حجر من التراب المغربي.
ونجحت الجزائر في تجاوز محنتها المتمثلة في الحرب على الإرهاب والجهل اللذين كان يمكن أن يوديا بالبلد ألى الهاوية. نجحت الجزائر بفضل الحملة المستمرة التي شنها الجيش والأجهزة الأمنية على المتطرفين الذين تلطوا بالدين الحنيف لارتكاب أبشع المجازر في حق المواطنين العاديين. الآن تبدو الجزائر في وضع أفضل بكثير من الماضي، على الرغم من المشاكل الداخلية الكبيرة التي يعاني منها البلد. لكن الواضح أنها استفادت ألى حد كبير من ارتفاع أسعار النفط في السنوات القليلة الماضية كي تحدّ من النقمة الشعبية على سلطة لم تحسن منذ حصول البلد على استقلاله توظيف الموارد الهائلة للجزائر في مشاريع تنموية حقيقية بعيداً عن الشعارات الطنانة والفارغة التي لا تقدم ولا تؤخر والاستثمار في حروب وأزمات صغيرة لا تصب إلا في ضرب العلاقة مع المغرب.
ونجحت ليبيا في السنوات العشرين الماضية في التحول من دولة منبوذة الى دولة محترمة. استطاع العقيد معمر القذافي بفضل القرار الشجاع الذي اتخذه والقاضي بالتخلص نهائياً من أسلحة الدمار الشامل من العودة الى الأسرة الدولية وفك الحصار الظالم الذي استهدف الجماهيرية بعد جريمة لوكربي التي سيتبين يوماً أن غير طرف واحد شارك فيها. فهم العقيد القذافي في مرحلة معينة الفارق بين المستحيل والممكن ولجأ الى الممكن كي تستفيد بلاده من خيراتها بعيداً عن الشعارات التي لا يمكن أن تؤسس لسياسة بناءة على أي صعيد من الصعد.
لكن قصة النجاح الأبرز في المغرب العربي هي قصة تونس التي استطاعت الوصول ألى مصاف الدول المتقدمة نسبياً عبر اعتماد سياسة تقوم على الانتفتاح والحداثة ترتكز قبل كل شيء على توسيع الطبقة المتوسطة. في عقدين من الزمن، نقل الرئيس زين العابدين بن علي تونس الى دولة حديثة فيها برامج تعليمية متطورة تخدم سوق العمل في بلد لا يملك أي ثروات تذكر في باطن أرضه. أكثر من ذلك، عرف الرجل كيف يتصدى منذ البداية للتطرف الديني موفراً على تونس المآسي التي مرت فيها الجزائر، الجار القريب. يكفي من أجل أعطاء فكرة عن النجاح التونسي أن عدد السياح الأجانب في البلد بات يتجاوز الثمانية ملايين في السنة.
حتى موريتانيا، عرفت كيف تتطور وكيف تتخلص من الحكم العسكري وتنتقل الى نظام شبه ديموقراطي كاد أن يأخذ البلاد الى المجهول لولا استعادة العسكر المستنيرين المبادرة للحؤول دون أي صعود للتطرف الديني وتسلله الى المؤسسات العامة... على حساب الحرب على الإرهاب الذي تعاني منه كل منطقة جنوب الصحراء حيث بات لـالقاعدة قواعد ثابتة.
هل كان الاتحاد المغاربي حاجة لأطراف معينة في العام 1989 فولد ميتاً مع انتفاء هذه الحاجة. ربما كان هذا هو التفسير المنطقي لما آل إليه هذا التجمع الاقليمي. كانت حاجة الجزائر في تلك المرحلة الى تقارب مع المغرب، خصوصاً بعد أحداث خريف العام 1988 والانتفاضة الشعبية العارمة على الحكم. الآن تستطيع الجزائر، التي عادت الى ممارسة دور الدولة الطامحة الى أن تكون قوة اقليمية، السماح لنفسها بإبقاء الحدود مغلقة مع جارها القريب من دون الأخذ في الأعتبار مصالح الشعبين. كذلك تستطيع الاستفادة ألى أبعد حد من بقاء جرح الصحراء الغربية مفتوحاً!
نشأ اتحاد المغرب العربي نتيجة تقارب مغربي- جزائري. الى أن يعود هذا التقارب يوماً، تستطيع كل دولة من الدول الخمس الإنصراف الى شؤونها الداخلية والتعامل مع أوروبا أو الدول الإفريقية التي يمكن التعاون منها. أليس ذلك أسهل من الدخول في متاهات عربية - عربية لا منطق لها من نوع الإصرار الجزائري على إبقاء قضية الصحراء الغربية معلّقة؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00