يعتبر ما أسفرت عنه الإنتخابات الإسرائيلية من بلبلة أمراً أكثر من طبيعي. يعود ذلك إلى أن ليس هناك في إسرائيل زعيم تاريخي يمتلك القدرة على اتخاذ قرارات كبيرة. كل ما هناك حالياً مجموعة من رؤساء الأحزاب الصغيرة. لا يستطيع أي من هؤلاء إتباع سياسة يمكن وصفها بأنها ذات طابع استراتيجي في أي مجال كان، خصوصاً في ما يتعلق بعملية السلام.
على سبيل المثال وليس الحصر، ليست لدى بنيامين نتانياهو أو بيبي سياسة محددة. يقول كلاماً عاماً عن غزة وعن التخلص من حماس ويتحدث عن تكامل اقتصادي مع الفلسطينيين عموماً من دون أن يقول ما هي الخطوات العملية التي يمكن إتخاذها لتحقيق غرضه. لا يقول ما الذي سيفعله بالضفة الغربية وأهلها وهل يعتقد أن الإحتلال يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية؟ يصدر عن بيبي كلام عام يخفي العجز عن الخروج باستراتيجية واضحة ويخفي خصوصاً الرغبة في إنهاء الإحتلال.
لعلّ أكثر ما يثير الحزن والأسى ويدعو إلى التشاؤم أنه سبق للإسرائيليين أن جرّبوا نتانياهو في العام 1996 ووجدوا أنه ليس لديه ما يقدمه لا على الصعيد الداخلي ولا على الصعيد الخارجي. ما حصل أن الناخب الإسرائيلي سحب الثقة من بيبي قبل أن يكمل ولايته كرئيس للوزراء انتخب في حينه مباشرة من الشعب إستناداً إلى قانون لم يعد معمولاً به حالياً.
أمضى بيبي ثلاث سنوات رئيساً للوزراء قبل أن يختار الناخبون إيهود باراك، زعيم حزب العمل، خليفة له. ولم يلبث باراك أن خيب أمل الإسرائيليين وكل من راهن عليه من العرب وغير العرب عندما فشل في التوصل إلى إتفاق مع الزعيم الراحل ياسر عرفات، رحمه الله، وترك السلطة مطلع السنة 2001 لأرييل شارون من دون أن يظهر ولو مرة واحدة أنه قادر على أن يكون زعيماً حقيقياً. اكتفى باراك في حينه بالإعلان عن أنه قدم لعرفات في قمة كامب ديفيد صيف العام 2000 عرضاً لن يقدمه له أي رئيس للوزراء في إسرائيل في يوم من الأيام. وتبين لاحقاً أن عرض باراك كان غامضاً وأن كل ما في الأمر أن أبوعمار لم يكن قادراً على قبول عرض يشمل القدس من دون غطاء عربي. جاء الأميركيون بعرفات إلى كامب ديفيد من دون توفير الدعم العربي له. حاولوا وضع الزعيم الفلسطيني أمام أمر واقع بالإتفاق مع باراك. كانت النتيجة أن أبو عمار أصيب بالهلع وغادر كامب ديفيد وهو مقتنع بأنه لم يتلق عرضاً حقيقياً وواضحاً سيندم عليه يوماً...
جرّب الإسرائيليون نتانياهو ثم جربوا باراك. عادوا إلى نتانياهو الذي بات مرجحاً تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة، على الرغم من أن حزب كاديما بزعامة ستيبي ليفني حاز على أكبر عدد من المقاعد في الإنتخابات الأخيرة. عادوا إلى بيبي على الرغم من أن الرجل لم يحقق إنجازاً من أي نوع كان طوال ثلاث سنوات في رئاسة الوزراء. على ماذا يدل ذلك؟ إنه دليل على أن المجتمع الإسرائيلي مريض. من في حاجة إلى تأكيد على ذلك، عليه أن يسأل كيف يمكن لحزب مثل إسرائيل بيتنا المتطرف أن يحصل على خمسة عشر مقعدا في الكنيست وأن يكون الحزب الثالث في البرلمان الإسرائيلي؟ لا حاجة إلى تعداد صفات زعيم هذا الحزب أفيغدور ليبرمان الذي كان يعمل حارساً عند مدخل ناد ليلي... كل ما يمكن قوله إنه عنصري لا يفهم شيئاً عن الشرق الأوسط ولا علاقة له به!
من ليفني التي تتحدث عن ضرورة قيام دولة فلسطينية والتي لم تقدم يوماً على خطوة يشتم منها أنها تؤمن بذلك، وصولاً إلى نتانياهو وليبرمان وباراك، ليس ما يشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة ستتشكل قريبا. يبدو الأربعة على إستعداد للدخول في مرحلة من التجاذب يمكن أن تستمر ما يزيد على ثلاثة أشهر. الأكيد أن ليس أمام الفلسطينيين سوى الإنتظار والعمل على ترتيب وضعهم الداخلي بدءاً من الإعتراف بأن ما حصل في غزة لم يكن إنتصاراً في أي شكل. هل في إستطاعة حماس الإقدام على خطوة شجاعة في هذا الاتجاه، أم تعتبر أن نتيجة الإنتخابات إسرائيلية تشكل إنتصارا بالنسبة إليها؟
إلى الآن، يبدو الموقف الحكيم الوحيد هو ذلك الذي إتخذه رئيس السلطة الوطنية السيد محمود عبّاس (أبو مازن). أبدى الرئيس الفلسطيني استعداده للتفاوض مع أي حكومة إسرائيلية جديدة. في النهاية، لا مفر من أن يستعيد الإسرائيليون وعيهم ويقتنعوا بأن لا سبيل آخر غير المفاوضات. لا شك أن الإدارة الأميركية ستساعد بطرقها الخاصة في إيصالهم إلى هذه القناعة، خصوصا في حال كانوا يريدون الحصول على دعمها في مواجهة الخطر الإيراني. إن الورقة الأيرانية ستكون وسيلة ضغط أميركية على الإسرائيليين متى سيتبين لهم أن ليس في استطاعتهم الإقدام على أي خطوة للجم طهران من دون التنسيق مع واشنطن.
كشفت الإنتخابات الإسرائيلية كم أن السياسيين الإسرائيليين صاروا صغاراً. لكنها كشفت أيضا الحاجة إلى برنامج سياسي فلسطيني يحظى بتأييد حماس وفتح في آن بعيداً عن الشعارات والكلام الفارغ. المأزق الإسرائيلي يجب ألا يؤدي بالضرورة إلى مأزق فلسطيني. هل من يعي ذلك؟ هل من يعي أن البرنامج السياسي الفلسطيني موجود وأنه يجب وضعه على الطاولة اليوم قبل غد... حتى لو كان هناك فراغ في إسرائيل!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.