قبل كل شيء، أي قبل الدخول في أي نقاش في شان منظمة التحرير الفلسطينية وسعي حماس الى السيطرة عليها، أو إلغائها كمرجعية، كي يصبح المحور الإيراني- السوري الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، لا بدّ من الإشارة الى أن السيد خالد مشعل ليس ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني وأن السيد محمود عباس (أبو مازن) ليس أحمد الشقيري أو يحيى حموده. والشقيري كان أول من تولى رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في العام 1964 الى أن قلبه أبو عمار وحل مكانه في العام 1969 على دفعتين. حصل ذلك بعد أخذ فتح المبادرة وإطلاقها الرصاصة الأولى مطلع العام 1965 من القرن الماضي.
لم يخلف أبو عمار الشقيري مباشرة بل دفع يحيى حموده الى موقع رئيس اللجنة التنفيذية لفترة قصيرة. كان على أبو عمّار انتظار هزيمة الجيوش العربية في العام 1967 ليبدأ زحفه على المؤسسات الفلسطينية ويتولى رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في الثالث من شباط 1969. احتفظ أبو عمار بالموقع حتى وفاته. كان زعيماً لـفتح والقائد العام للقوات الفلسطينية. حصر في شخصه كل الرئاسات والمواقع المهمة، بل اختصر القضية الفلسطينية ووصل الى قاب قوسين أو أدنى من القدس التي راح يدق بقوة على أبوابها الى أن ارتكب سلسلة من الأخطاء، في مقدمها اتخاذه قراراً بـعسكرة الانتفاضة وعدم تقدير أهمية التغيرات التي شهدها العالم بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001. وقد مكنت هذه الأخطاء إسرائيل من محاصرته في رام الله.
استخدم ياسر عرفات منظمة التحرير الفلسطينية للدفع في اتجاه تحقيق هدف محدد يتمثل في إقامة دولة مستقلة على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام 1967، وهي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. كانت المنظمة بالنسبة الى الزعيم التاريخي للفلسطينيين، باعتباره الشخص الوحيد الذي أعاد لهم أرضاً، جسراً في خدمة بناء الدولة.
لم تكن رئاسة منظمة التحرير هدفاً في حد ذاته بمقدار ما كانت وسيلة لياسر عرفات يستخدمها من أجل تحقيق الهدف الفلسطيني. ولذلك كانت المنظمة الطرف الذي وقع أبو عمار باسمه اتفاق أوسلو الذي تعود أهميته الى كونه يتضمن اعترافاً متبادلاً بينها وبين حكومة إسرائيل. منذ توقيع اتفاق أوسلو، زادت أهمية المنظمة كما تبدلت طبيعة العلاقة بينها وبين إسرائيل. أخذ الصراع منحى آخر. من يبحث عن مرجعية أخرى إنما يريد رمي كل الإنجازات السياسية التي تحققت في نصف قرن والتي جعلت فلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة في سلة المهملات. من يبحث عن مرجعية أخرى يتجاهل دماء آلاف الشهداء الذين ضحوا بأغلى ما لديهم من أجل المشروع الوطني الفلسطيني... دماء أبو اياد وأبو جهاد وأبو الوليد وكل الذين سعوا من أجل القرار الفلسطيني المستقل أوّلاً.
ترهلت منظمة التحرير الفلسطينية. ويشبه ترهلها ترهل فتح التي لم تعد لجنتها المركزية تضم سوى ديناصورات. لكن ذلك لا يعني شطب نصف قرن من النضال الفلسطيني. منظمة التحرير تمثل حالياً رمزاً أكثر من أي شيء آخر. إنها المرجعية الفلسطينية بمعنى أنها الجانب الذي بينه وبين إسرائيل اعتراف متبادل من جهة، كما أنها الجانب الذي لديه البرنامج السياسي الوحيد المقبول من المجتمع الدولي من جهة أخرى. أكثر من ذلك.. ماذا يعني البحث عن بديل من منظمة التحرير الفلسطينية التي ترمز أيضاً الى القرار الفلسطيني المستقل؟ إنه يعني، إضافة الى جعل القرار الفلسطيني في عهدة المحور الإيراني- السوري، تكريس الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وإبقاء غزة تحت رحمة آلة الدمار للعدو، كما الحال عليه الآن. من يبحث عن بديل من منظمة التحرير إنما يبحث عن طريقة للتخلص من حل يقوم على فكرة الدولتين على أرض فلسطين.
لم يصل ياسر عرفات الى خلاصة فحواها أن المشروع الوحيد الممكن هو مشروع الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة إلا بعد مروره في تجارب كثيرة، بما في ذلك تجربة لبنان وقبلها تجربة الأردن. كانت تجربة لبنان مرة على اللبنانيين والفلسطينيين في آن. لم تكتسب القضية الفلسطينية مناعة إلا بعد خروجها من زواريب بيروت ودهاليزها. من ينادي حالياً ببديل من مرجعية منظمة التحرير إنما يراهن على أوهام. الدول لا تبنى على أوهام ولا على انتصارات مزيفة مثل انتصار حماس في غزة. الدول تبنى انطلاقاً من فهم حقيقي لموازين القوى في المنطقة والعالم. منذ متى سوريا روسيا ومنذ متى إيران الصين... ومنذ متى يستطيع شعب غزة الصمود حين يكون هناك من يريد استخدام غزة للهجوم على مصر؟ بعض الواقعية ضروري. وما قد يكون ضرورياً أكثر هو بعض التواضع. والتواضع يقضي بتسمية الهزيمة باسمها الحقيقي وليس بأي اسم آخر، بدل الهرب منها الى البحث عن بديل من منظمة التحرير!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.