8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لماذا هناك بعض التفاؤل بعهد أوباما؟

يأتي الاستعجال الأميركي في ارسال مبعوث خاص الى الشرق الاوسط بمثابة تأكيد لرغبة الرئيس باراك أوباما في تنفيذ الوعود التي اطلقها خلال حملته الانتخابية. الرجل صادق، اقلّه الى الان. هناك من يرصد تحركاته وطريقة عمله. لم يكد يمضي اسبوع على تسلمه مهماته حتى تبين انه على استعداد للذهاب بعيدا في الانقلاب على ادارة جورج بوش الابن وعلى التركة الثقيلة للمحافظين الجدد. كان الدليل الاول على ذلك القرار الذي اتخذه أوباما وقضى بأغلاق سجن غوانتانامو كاشفا ان لديه طريقته المختلفة في شن حرب على الارهاب ومعالجة ذيول مأساة الحادي عشر من ايلول ـ سبتمبر 2001. ليس العنف وحده وسيلة للقضاء على الارهاب. هناك وسائل اخرى يمكن ان تكون افضل من الحروب المكلفة التي شنتها الادارة السابقة. بين هذه الوسائل محاولة الاستجابة لتطلعات المظلومين في هذا العالم. على رأس هؤلاء ابناء الشعب الفلسطيني الذين يعانون من الاحتلال المستمر ومن ارهاب الدولة الذي تمارسه اسرائيل.
ما يبدو واضحا من تصرفات الرئيس الأميركي الجديد، الذي اختار وسيلة اعلام عربية هي قناة العربية للأدلاء بأول حديث منذ دخوله الى البيت الابيض، انه يعي اهمية القضية الفلسطينية وإيجاد حل لها. اكثر من ذلك، بدا ان باراك أوباما يدرك معنى إنهاء المأساة الفلسطينية من منطلق ان العمل من اجل التوصل الى تسوية عادلة لقضية شعب حرم من حقوقه، سيساعد في تغيير صورة الأميركي في العالم. لقد عملت ادارة بوش الابن كل ما تستطيع كي تزداد صورة الأميركي البشع بشاعة. ولذلك تبدو مهمة باراك أوباما في غاية الصعوبة. انه يلعب دور العطار الذي يحاول اصلاح ما افسده الدهر، ممثلا بجورج بوش الابن ورجال ادارته!
ثمة من يعتقد ان المهمة مستحيلة ولكن من يدري في منطقة تغيّرت المعطيات فيها تماما منذ قررت ادارة بوش الابن اجتياح العراق بهدف الاخلال بالتوازن التاريخي الذي قام عليه الشرق الاوسط منذ انهيار الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى؟
ليس سرا ان اختيار جورج ميتشيل العضو السابق في مجلس الشيوخ الأميركي وزعيم الاكثرية الديموقراطية فيه طوال سنوات عدة يوفر للأدارة الأميركية الجديدة صدقية افتقدتها الادارة، بل معظم الادارات السابقة. فميتشيل يمتلك خبرة طويلة في حل ازمات مستعصية مثل قضية شمال ايرلندا. نجح في تحقيق اختراق حيث فشل كثيرون غيره. اضافة الى ذلك، يمتلك الرجل مقدارا كبيرا من الاحترام لدى الفلسطينيين خصوصا ولدى الاسرائيليين الذين يريدون تحقيق تسوية تقوم على فكرة الدولتين. وفي هذا المجال، لا بدّ من ملاحظة ان ميتشيل يعرف تماما اين مكمن العلة، اذ اشار في التقرير الذي وضعه في العام 2001 بعد محاولته الاولى للتوسط بين الفلسطينيين والاسرائيليين الى ضرورة وقف الاستيطان في الضفة الغربية.
يأختصار شديد، ان القرار الأميركي بأرسال جورج ميتشيل على وجه السرعة الى الشرق الاوسط وتأكيد المبعوث الرئاسي التزام الادارة التوصل الى حل، يعكس الى حدّ كبير مدى جدية باراك أوباما في تحقيق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة. الاكيد ان الجدية الأميركية وحدها ليست كافية. ولكن ما يدعو الى بعض التفاؤل ان ليس في استطاعة اي حكومة اسرائيلية، حتى لو كانت برئاسة الليكودي بنيامين نتانياهو الذي قد ينتصر في الانتخابات التي ستجري في العاشر من الشهر الجاري، الدخول في مواجهة مع رئيس أميركي لم تمض سوى ايام قليلة على بداية ولايته. هذا لا يعني ان اسرائيل لن تكون عقبة، ولكن ما لا بد من الاعتراف به في الوقت ذاته، ان الفرصة التي توفرها ادارة أوباما تأتي في وقت يعاني فيه الجانب الفلسطيني من حال انقسام لا سابق لها منذ نكبة العام 1948. للمرة الاولى، هناك كيانان فلسطينيان لا علاقة لأحدهما بالاخر. للمرة الاولى هناك برنامج سياسي فلسطيني واضح يحدد اسس التسوية فيما بين الفلسطينيين من يرفض البرنامج ويحاربه... ويطلق الصواريخ العشوائية من غزة بهدف اسقاطه. هل يعي الفلسطينيون ان لديهم فرصة لتحقيق حلم الدولة، ام يصح فيهم مرة اخرى القول انهم لا يفوتون فرصة تفويت الفرص؟
يعض التعقل الفلسطيني مطلوب. نعم هناك فرصة لتحقيق تسوية على الرغم من الموقف الاسرائيلي المتعنت. ما لا بدّ من تذكره، انه لم يحصل يوما ان توصل العرب والاسرائيليون الى اتفاق ما من دون الدور الأميركي. يبدو الأميركيون هذه المرة على استعداد للعب الدور المطلوب منهم. لم ينتظر باراك أوباما السنة الاخيرة من ولايته الثانية للقيام بمبادرة جدية في اتجاه الشرق الاوسط. كانت بضعة ايام كافية كي يعين مبعوثا خاصا له في المنطقة. ولم يمض اسبوع قبل ان يباشر هذا المبعوث مهمته بدءا بالقاهرة.
ثمة امر اخير يفترض في الجانب الفلسطيني، خصوصا حماس، التنبه اليه. يتمثل هذا الامر في ان لدى الادارة الأميركية مصلحة حقيقية في تحقيق تسوية نظرا الى اقتناعها بأن رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني يساعدها في الحرب على الارهاب وفي تحسين صورة الولايات المتحدة في العالم. أميركا في حاجة الى تسوية. من يعرقل مهمة جورج ميتشيل يضع نفسه من حيث يدري او لا يدري في موقع الحليف للأحتلال الاسرائيلي. هذه بكل بساطة المعادلة المطروحة مع وصول جورج ميتشيل الى الشرق الاوسط. هل بين الفلسطينيين من من يريد ان يكون في هذا الموقع وعلى استعداد تام لذلك عبر صاروخ من هنا او هناك؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00