8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

نجاح للكويت .. ولكن من يستوعب أبعاد حرب غزة؟

انتهت قمة الكويت بسلام. لكن ذلك لا يمنع من طرح سؤال في غاية الأهمية: هل لا يزال العرب قادرين على اتخاذ موقف موحد من مسألة ذات طابع مصيري مثل القضية الفلسطينية، أقله في المدى المنظور؟
كان هناك خوف بعد جلسة الافتتاح من أجواء في غاية السلبية تطغى على الجلسة المسائية لولا مبادرة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز الى الإعلان عن مصالحة عربية مهدت للقاء سباعي جعل استمرار القمة ممكناً. كان النجاح كويتياً أيضاً، بفضل جهود أمير الدولة الشيخ صباح الأحمد الذي استطاع بما يمتلك من خبرة وحكمة وصبر ومثابرة الحؤول دون مزيد من التشرذم العربي في وقت كانت القمة مهددة فعلاً بالانفراط في ضوء ما شهدته الجلسة الافتتاحية.
استطاعت الكويت في السنة 2009 جمع العرب، كل العرب على أعلى مستوى. هذا إنجاز في حد ذاته، على الرغم من العجز الذي ليس بعده عجز عن التوصل الى موقف واضح يستطيع الذهاب الى تسمية الأشياء بأسمائها، بما في ذلك أن ما حلّ بغزة كان كارثة إنسانية تتحمل مسؤوليتها إسرائيل والاعتراف في الوقت ذاته بأن حماس قدمت كل المبررات كي تمارس إسرائيل إرهاب الدولة مستعينة بأحدث الأسلحة وأكثرها فتكاً. قتلت إسرائيل ما يزيد عن ألف وثلاثمئة فلسطيني في اثنين وعشرين يوماً وخلفت دماراً كبيراً لم تشهد غزة شبيهاً له في تاريخها. ومع ذلك، هناك من يتحدث عن انتصار. هل حياة الإنسان الفلسطيني رخيصة الى هذا الحد؟ هل هناك من يمتلك جرأة التساؤل كيف يمكن الحديث عن انتصار وماذا تغيّر في غزة، نحو الأفضل طبعاً، حتى يكون مثل هذا الحديث ممكناً؟ لم يكن الجيش الإسرائيلي موجوداً داخل غزة قبل العدوان الأخير. هل انسحابه من القطاع بعد كل الخسائر التي لحقت بالفلسطينيين وقضيتهم يمكن أن يشكل انتصاراً؟
كان لافتاً في البيان الختامي الصادر عن القمة، التي هي في الأساس قمة اقتصادية، أنه أرفق ببيان آخر مقتضب في شأن العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. شكل هذا البيان الباهت الذي غاب عنه أي ذكر للسلطة الوطنية الفلسطينية تعبيراً ولا أوضح عن مدى عمق الخلافات والانقسامات العربية. كذلك، يكفي أنه تفادى أي إشارة الى أن حماس لم تنتصر سوى على الشعب الفلسطيني وعلى قضيته كي يتأكد أن هناك بين العرب من لا يريد أن يتعلّم شيئاً من تجارب الماضي القريب، تجارب أواخر الأربعينات من القرن الماضي وصولاً الى يومنا هذا.
مع ذلك كله، يمكن القول إن قمة الكويت كانت قمة ناجحة. قبل كل شيء، بدّدت القمة المخاوف من غياب بعض العرب عن قمة الكويت في ضوء ما حصل في الدوحة التي عوضت الغياب العربي بالحضور الإسلامي، خصوصاً حضور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد... الذي لا يتقن سوى المزايدة على العرب. ليس أسهل من المزايدة عندما يكون الفلسطينيون واللبنانيون الضحايا كما حصل في حرب صيف العام 2006 أو في حرب غزة الأخيرة التي انتهت بمأساة فلسطينية أخرى. لم يغب أي طرف عربي عن قمة الكويت. والأهم من ذلك كله أن القمة سمحت لكل طرف بقول ما لديه والادلاء بدلوه. وهذه ظاهرة صحّية، ذلك أن من الأفضل أن تكون القمة مسرحاً للأخذ والرد وقول كل طرف ما في قلبه، كي لا تكون المصالحات مجرد تقبيل للحى وكي لا تتخذ المواجهات شكل حملات إعلامية متبادلة. قال الرئيس بشار الأسد ما يريد قوله وأراد جرّ القمة الى مرحلة الشعارات التي تعود الى مرحلة الستينات والتي أدت مباشرة ألى حرب 1967 التي اعتبرها النظام السوري انتصاراً على إسرائيل، ما دامت لم تستطع إسقاط النظام واكتفت باحتلال الجولان. وتحدث الرئيس حسني مبارك، الذي استعادت بلاده كل أرضها المحتلة، فأكّد أن مصر تعرف تماماً ما هو الهدف الحقيقي من حرب غزة، التي هي حرب عليها بعدما تبين أن هناك تحالفاً غير مقدس بين المتطرفين في المنطقة من سنة وشيعة برعاية إيرانية. هدف التحالف إحراج مصر عن طريق إثارة قضية معبر رفح... خدمة للمخطط الاقليمي الإيراني لا أكثر. أرادت إيران بكل بساطة متابعة اختراقها للعالم العربي عبر غزة هذه المرة بعدما ذهبت بعيداً في تأكيد وجودها العسكري في لبنان من خلال غزوة بيروت في السابع من أيار ـ مايو الماضي.
بدا موقف الملك عبدالله بن عبد العزيز وكأنه اختبار للنيّات السورية ومعرفة ما إذا كان في الإمكان استعادة دمشق عربياً. نجح الى حد كبير في خلق أجواء ايجابية حالت دون تفجير القمة. لكن الأجواء الايجابية سرعان ما تبددت بعدما تبين أن النظام السوري غير قادر على الذهاب بعيداً في الابتعاد عن الموقف الإيراني. إنه موقف يعتبر أن حماس انتصرت في غزة وأن الشعب الفلسطيني ليس سوى وقود يصلح لأن يستخدم في الصراعات الاقليمية والحروب العربية ـ العربية.
تبقى قمة الكويت قمة تاريخية بكل معنى الكلمة نظراً الى أنها أظهرت الوضع العربي على حقيقته. أكثر من ذلك، تطرقت القمة في الجانب الاقتصادي الى مسائل كان محظوراً في الماضي الحديث عنها بينها مأساة البرامج التعليمية في الدول العربية ودورها في تكريس التخلف ومنع التنمية.
الأمل أن لا تكون قمة الكويت آخر القمم العربية، أقله لسنوات عدة، في غياب القدرة لدى بعض العرب على استيعاب الأبعاد الخطيرة لحرب غزة الأخيرة وحقيقة ما جرى على أرض الواقع في ظل رغبة إسرائيل في تكريس التباعد بين الضفة والقطاع... وفرض وجود كيانين فلسطينيين بسلطتين مختلفتين.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00