8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

بوش يترك الشرق الأوسط في حال مخاض!

بغض النظر عن التقويم الشخصي للسنوات الثماني التي أمضاها جورج بوش الأبن في البيت الأبيض، لا بدّ من الأعتراف بأن الرجل استطاع تغيير خريطة الشرق الأوسط سياسيا في انتظار تغيير الحدود الجغرافية بين الدول في مرحلة لاحقة. باختصار، بدّل بوش الابن التوازنات التي كانت قائمة في الشرق الأوسط في مصلحة كل ما هو غير عربي في المنطقة تحت شعار الحرب على الارهاب. لذلك، نرى الآن أن هناك الدور التركي الذي لا سبيل لتجاوزه، اضافة بالطبع الى الدور الايراني الذي تشكل الصواريخ التي تنطلق من غزة والتي برّرت الحرب الأخيرة التي راح ضحيتها حتى الآن ما يزيد على ألف فلسطيني إضافة الى آلاف الجرحى، أفضل تعبير عنه. كان لا بدّ لاسرائيل من التأقلم مع المعطيات الجديدة في المنطقة وقد دفعها ذلك الى شن الحرب على غزة لتأكيد أنها ليست خارج التوازنات الأقليمية التي خلقتها ادارة بوش الأبن. أكثر من ذلك، جاءت حرب غزة التي فرضتها المؤسسة الأمنية الاسرائيلية بمثابة رسالة الى إدارة باراك أوباما فحواها أن عليها التعاطي مع أمر واقع تفرضه اسرائيل يتمثل في أنها قوة اقليمية على غرار إيران وتركيا وأن جيشها لم يفقد شيئاً من قدرة الردع التي كان يمتلكها.
يغادر جورج بوش الأبن البيت الأبيض فيما اسرائيل تشن الغارة تلو الأخرى على غزة وفيما العالم يتفرّج على المجزرة. انها حرب لا تستطيع اسرائيل خسارتها... ولكن لا يبدو في الوقت ذاته إنها قادرة على أن تنتصر فيها نظرا ألى أن مفهوم الانتصار غير واضح باستثناء أن في امكان قوة النيران الاسرائيلية تدمير جزء من القطاع وتحويله الى أرض طاردة لأهلها من منطلق أن ليس في الأمكان العيش فيها في ضوء الدمار الواسع الذي لحق بها وبالبنية التحتية الأساسية.
يغادر جورج بوش الابن البيت الأبيض فيما تركيا الدولة الوحيدة في المنطقة القادرة على التحدث الى كل الأطراف من دون استثناء. تركيا وسيط بين سوريا واسرائيل وتركيا وسيط قادر على التحاور مع حماس ومع السلطة الوطنية الفلسطينية ومع ايران ومع العراق ومع مصر ومع دول الخليج. انها في موقع فريد من نوعه تدل عليه مشاركتها في القوة الدولية المعززة في جنوب لبنان. أي أنها معنية بتنفيذ القرار الرقم 1701 الذي وضع حدا للعدوان الاسرائيلي على لبنان صيف العام 2006.
يغادر جورج بوش الابن البيت الأبيض وايران تمتلك، على الرغم من أوضاعها الداخلية الصعبة، أوراقاً اقليمية عدّة لم يسبق لها أن امتلكت مثلها. أنها تسيطر بفضل حزب الله على جزء من الأراضي اللبنانية وأثبتت بعد غزوة بيروت في السابع من أيّار ـ مايو الماضي أنها تتحكم بالعاصمة وبكل زاوية فيها وأن مسلحيها قادرون على نشر ثقافة الموت في المدينة في اللحظة التي تصدر طهران فيها الأوامر بذلك.
ما الذي تسبب في هذا الوضع الجديد في الشرق الأوسط الذي يجهل العرب عموماً كيف التعاطي معه؟ هنا يجب العودة الى حرب العراق. أدت حرب العراق الى خلل اقليمي يصعب التكهن بمداه أو بالنتائج التي ستترتب عليه في المدى البعيد. ما نشهده حالياً من صعود لتركيا ودورها ومن قدرة ايرانية على لعب أدوار في العراق ولبنان وفلسطين وحتى داخل سوريا نفسها، ليس سوى نتيجة مباشرة للفراغ الذي أوجده الأميركيون في العراق. هذا لا يعني في طبيعة الحال دفاعاً عن نظام صدّام حسين العائلي ـ البعثي الذي لم تكن له علاقة بما يدور في العالم. كان التخلص من النظام واجبا انسانيا، لكن مشكلة ادارة بوش الأبن تكمن في أنها لم تقدر في أي لحظة من اللحظات خطورة الفراغ الذي سينجم عن اسقاط النظام العراقي من دون أتخاذ قرارات تتسم ببعض الحكمة من نوع تفادي حل الجيش العراقي والابتعاد عن كل ما من شأنه تعزيز وضع الأحزاب المذهبية المدعومة من ايران والتي تمتلك ميليشيات خاصة بها.
لعلّ أخطر ما في العدوان الذي تتعرض له غزة أنه كشف مدى التغلغل الايراني في المنطقة العربية ووجود رغبة دفينة في أستخدام الورقة الفلسطينية لخلخلة المنظومة الأمنية العربية انطلاقا من مصر. من حسن الحظ أن مصر صمدت وعرفت، أقله الى الآن، الرد على التحدي الذي مثله الخطاب الإيراني المزايد الذي أستهدفها. وكشف العدوان في الوقت ذاته أن تركيا مستعدة لأن تكون في كل مكان بما في ذلك أن تلعب دور الوسيط بين اسرائيل وحماس على حساب الشرعية الفلسطينية التي افتقدت في الأشهر الأخيرة القدرة على أتخاذ أي مبادرة من أي نوع كان. كذلك كشف العدوان أن اسرائيل باتت تدرك أن في استطاعتها الذهاب بعيدا في اللعب على التناقضات العربية انطلاقاً من أستغلالها لحجة صواريخ حماس التي يبدو أنها ستحرر غزة من الغزاويين!
يترك بوش الابن لباراك أوباما عالما في حال من التخبط اقتصادياً وسياسياً. لكنه يترك الشرق الأوسط في حال مخاض. ذنب العرب الأساسي أنهم افتقدوا في السنوات الأخيرة القدرة على استيعاب معنى الفراغ في العراق والتحولات التي يشهدها البلد الذي كان ركناً أساسياً من أركان النظام العربي والمنظومة الأمنية العربية منذ أعيد تشكيل الشرق الأوسط في العشرينات من القرن الماضي نتيجة انهيار الدولة العثمانية. لهذا السبب وليس لغيره، نجدهم اليوم، في مواجهة العدوان على غزة، في حال تخبط لا سابق لها... لا تشبه هذه الحال شيئاً في تاريخهم الحديث باستثناء مرحلة ما بعد انهيار الدولة العثمانية في العشرينات من القرن الماضي ومرحلة ما ما بعد النكبة في العام 1948 عندما لم يدركوا كليا معنى زرع دولة اسرائيل على أرض فلسطين والنتائج التي ستترتب على ذلك. هربوا وقتذاك من النكبة الى الانقلابات العسكرية. الى أين سيهربون الآن؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00