8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لبنان ودرس غزّة البليغ..

ما يحمي لبنان في هذه الايام المصيرية هو الابتعاد عن اي نوع من انواع المغامرات والتعلق في الوقت ذاته بثقافة الحياة. درس غزة بليغ بحد ذاته. الانتصار على إسرائيل لا يكون بالكلام والخطابات من نوع ذلك الخطاب الذي القاه السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـحماس الذي حاول تجاوز المأزق الذي تعاني منه الحركة بالدعوة الى انتفاضة فلسطينية ثالثة والى انضمام الضفة الغربية الى المغامرة التي دخلتها حماس في غزة ارضاء للمحور الايراني ـ السوري. انها مقامرة اكثر مما هي مغامرة نظرا الى ان السيد مشعل يحاول القاء مسؤولية ما الت اليه الاوضاع في غزة على الاخرين بدل امتلاك ما يكفي من الجرأة والشجاعة لتحمل مسؤولية الاخطاء التي ارتكبها بسبب تحول حماس بفضل امثاله مجرد اداة لدى المحور الايراني ـ السوري من جهة وقبوله بأن يكون الشعب الفلسطيني مجرد وقود في معارك وصراعات اقليمية من جهة اخرى.
ليقل لنا خالد مشعل ومن يستخدمون لغته ما هي الاهداف السياسية لحركة مثل حماس. ليقل لنا ما الذي يعنيه بالمشروع الذي يريد تحقيقه والذي من اجله يستشهد كل هؤلاء الفلسطينيين في غزة. المؤسف ان لا وجود لدى حماس لمشروع وطني يستأهل ان يسقط مئات الفلسطينيين شهداء وأن يصاب الالاف بجروح وعاهات قد تكون دائمة. لا وجود سوى لمشروع وطني واحد هو البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي يستأهل بالفعل النضال والتضحية من اجله تحت راية السلطة الوطنية الفلسطينية التي مرجعيتها منظمة التحرير الفلسطينية وذلك على الرغم من كل مساوئ فتح وفساد بعض قياداتها.
على اللبنانيين ان يتنبهوا جيداً الى انهم لا يستطيعون حماية وطنهم اذا لم يتعلموا شيئاً من درس غزة حيث تبحث حماس عن انتصار اقرب الى السراب من اي شيء اخر. تماماً مثل الانتصار الذي حققه حزب الله صيف العام 2006 والذي تبين انه انتصار على لبنان لا اكثر. لو كان انتصار حزب الله حقيقيا لما كان الحزب مضطرا في مرحلة معينة الى استكمال العدوان الاسرائيلي على لبنان عن طريق الاعتصام الطويل في الوسط التجاري والاعتداء على الاملاك الخاصة والعامة مستعينا بالاداة التي اسمها النائب ميشال عون وبعض من هم على شاكلته. الفارق بين حماس وحزب الله ان الاخير ارتد بسلاحه على لبنان واللبنانيين لمحاولة اقناعهم وأقناع نفسه اوّلا بأنه انتصر في حرب صيف العام 2006. لم يكتف بالاعتصام في وسط بيروت بغية تعطيل الحياة الاقتصادية ودفع عشرات الاف اللبنانيين الى الهجرة فحسب، بل عمد بعد ذلك الى غزو بيروت والجبل لتأكيد ان سلاحه يشكل الوسيلة الاولى لفرض تغيير في لبنان وفي طبيعة نظامه السياسي وقلب موازين القوى فيه لمصلحة المحور الايراني ـ السوري ايضاً.
ما يسعى اليه خالد مشعل حالياً هو الارتداد على الداخل الفلسطيني على غرار ما فعله حزب الله بعد تحقيق نصره الإلهي على إسرائيل. نسي رئيس المكتب السياسي لـحماس امراً في غاية الاهمية. نسي انه سبق لـحماس ان استهلكت هذه الورقة عندما ارتدّت على الداخل ونفّذت انقلابها منتصف حزيران ـ يونيو 2007 في غزة وأستولت على القطاع بالقوة وألقت بمناصري فتح احياء من الطبقات العليا للبنايات بغية فرض هيبتها وتأكيد انها مستعدة للذهاب بعيداً في السيطرة على القطاع وتحويله إمارة اسلامية تتحكم بها طهران ودمشق. الان تسعى حماس الى الهرب من مأزقها في غزة حيث تمارس إسرائيل ارهاب الدولة بكل الوسائل المتاحة لها عن طريق الاستعانة بالضفة الغربية والدعوات المضحكة ـ المبكية الى جسر جوي عربي ينقل اسلحة الى غزة او التحريض على هذا النظام العربي او ذاك. يتجاهل السيّد مشعل انه مقيم في دمشق وأنه في بلد اغلق الجبهة مع إسرائيل منذ العام 1974 على الرغم من ان الجولان لا يزال محتلاً. لماذا لا يسير رئيس المكتب السياسي لـحماس على نهج البلد الذي يقيم فيه ويسعى الى استعادة حقوقه بالوسائل الديبلوماسية انطلاقاً من غزة التي انسحب الاسرائيليون منها في العام 2005؟ لماذا لا يستخدم غزة نموذجاً لمشروع الدولة الفلسطينية المستقلة الذي يحظى بدعم عربي ودولي؟
ليس امام حماس سوى مخرج واحد من ازمتها. يتمثل المخرج في العودة الى كنف الشرعية الفلسطينية والانضمام الى الجهوذ المبذولة لاستصدار قرار جديد عن مجلس الامن التابع للأمم المتحدة يسمح بنشر قوة دولية في غزة وحتى في الضفة الغربية. لعلّ الدرس الذي يفترض في اللبنانيين تعلمه من تجربة غزة يتمثّل في ان ما يحمي لبنان هو الوحدة الوطنية اولاً وكنف الشرعيتين العربية والدولية ثانياً. لا توجد دولة عربية تريد خوض حرب مع إسرائيل. لا توجد دولة عربية تريد ان تأخذ من تجربة غزة مثالاً يقتدى به. ليزايد اللبنانيون على النظام السوري وعلى من يوجهونه في طهران قدر ما يشاؤون. ولكن حذار اطلاق الصواريخ والدخول في لعبة تستهدف اخراج المحور الايراني ـ السوري من مأزق غزة. من يريد الخروج من المأزق عليه اتباع تعليمات السلامة. في مقدمها ان لا بديل من ثقافة الحياة ولا بديل من العودة عن فكرة ان السياسة مقامرة. سبق للراحل صدّام حسين ان اعتقد ان السياسة مقامرة وظل يقامر الى ان وصل بجنونه الى الكويت مستشهداً بآيات قرآنية، فبلغ في النهاية حبل المشنقة. الشعب الفلسطيني يستحق افضل من ذلك بكثير. يستحق الانتماء الى ثقافة الحياة التي ينتصر بها على الاحتلال والعدوان الاسرائيليين بدل التعلق بثقافة الموت التي لن تقوده سوى الى كوارث ومآس اخرى على نسق تلك التي تتعرض لها غزة في هذه الايام!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00