8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مزارع شبعا التي تختصر الحيرة اللبنانية...

تطل سنة جديدة على لبنان والوطن الصغير في حيرة من أمره. ربما كان أفضل ما يختصر الوضع اللبناني، أو الحيرة اللبنانية، سؤال محوره مزارع شبعا. تلخص قضية المزارع المأساة اللبنانية المستمرة منذ توقيع اتفاق القاهرة في العام 1969 من القرن الماضي. السؤال كيف يستطيع لبنان استعادة المزارع التي ينطبق عليها القرار 242 الصادر في العام 1967 في غياب رسالة سورية واضحة موجهة الى الأمم المتحدة تؤكد لبنانية المزارع؟ لماذا هذا الإصرار على المزارع في وقت كل ما يحتاجه لبنان ورقة سورية تقدم بشكل رسمي الى المنظمة الدولية تضع النقاط على الحروف وتثبت حق لبنان في استعادة المزارع استناداً الى القرار الرقم 425 وليس القرار 242 الذي تصر سوريا على ربط لبنان به. ما يسعى اليه النظام السوري، وما سعى اليه باستمرار هو ربط لبنان بالقرار 242 الذي لا علاقة له به. الهدف واضح كل الوضوح ويتمثل في أن يكون لبنان جزءاً لا يتجزّأ من الاستراتيجية السورية، أي أن يكون جنوب لبنان بجبهته المفتوحة وجرحه النازف بديلاً من جبهة الجولان المغلقة والساكنة منذ العام 1974.
كل ما في الأمر أن المطلوب أن يكون لبنان ساحة، تماماً كما الحال منذ العام 1969 لدى بدء التسلل المسلّح الفلسطيني الى جنوب لبنان بتشجيع سوري واضح من أجل خلق وضع يؤدي الى خلخلة النظام اللبناني والى حصر النزاع العربي- الإسرائيلي بالجنوب بديلاً من الجولان. كان صاحب هذه المدرسة في توظيف لبنان في خدمة النظام السوري ودوره الاقليمي الفريق حافظ الأسد، وزير الدفاع، الذي ما لبث أن صار رئيساً للجمهورية العربية السورية بعد الانقلاب الذي نفّذه في تشرين الثاني- نوفمبر من العام 1970 في ما عرف بـالحركة التصحيحية.
من يلعب حالياً لعبة مزارع شبعا والحديث عن استعادتها بالقوة، يضع نفسه في خدمة النظام السوري لا أكثر مهما حاول تمييز نفسه عن هذا النظام عن طريق التبرؤ من المفاوضات غير المباشرة التي يجريها حالياً، أو المباشرة، في مرحلة لاحقة، مع إسرائيل. من لديه اعتراض حقيقي على استخدام جنوب لبنان في لعبة المفاوضات السورية- الإسرائيلية، أكانت مباشرة أو غير مباشرة، عليه تسمية الأشياء بأسمائها بما في ذلك رفضه لأن تكون مزارع شبعا وسيلة لابتزاز لبنان وتحويله أسيراً للمفاوضات السورية- الإسرائيلية التي يمكن أن تتم على حسابه. هل هذه وظيفة المؤتمنين على الحقوق اللبنانية، الرافضين لأي نوع من المفاوضات مع إسرائيل، أولئك الذين يرفضون قول كلمة حق في حق لبنان وفي حق اللبنانيين، على رأسهم أهل الجنوب البطل، بما في ذلك، أنه يحق لهم الامتناع عن دفع الفواتير السورية والإسرائيلية والعربية من أجل تحقيق صفقات على حساب لبنان؟
على من يسعى في المرحلة الراهنة الى المتاجرة بمزارع شبعا، وصولاً الى المناداة بتحرير فلسطين من النهر الى البحر أو من البحر الى النهر، لا فارق، أن يتذكر أمراً في غاية الأهمية. لا مصلحة لإسرائيل في تنفيذ اتفاق الهدنة ولا مصلحة لها في أن يعم الهدوء والأمن جنوب لبنان. لا مصلحة لإسرائيل في تنفيذ القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي أوقف العمليات العسكرية في آب- أغسطس من العام 2006. تكمن مصلحة إسرائيل في استمرار التوتر في جنوب لبنان. لم تتغير السياسة الإسرائيلية منذ التوصل الى اتفاق القاهرة. كل ما في الأمر أن إسرائيل التي وافقت في العام 1976 على دخول الجيش السوري الى لبنان، بناء على طلب من وزير الخارجية الأميركي هنري كيسينجر، وضعت خطوطاً حمر للسوريين الذين كان مفترضاً وصولهم الى خط الهدنة بين لبنان وإسرائيل في سياق وضع اليد على قوات منظمة التحرير الفلسطينية. رفضت إسرائيل التمدد السوري وصولاً الى خط الهدنة، الذي هو في واقع الحال خط الحدود الدولية مع لبنان، بحجة أنها في حاجة الى مناوشات مع الفلسطينيين بين حين وآخر. كانت لإسرائيل مصلحة في بقاء المسلحين الفلسطينيين في جنوب لبنان لسبب في غاية البساطة. يتمثل هذا السبب في أن لا مصلحة لها في استقرار الوضع في لبنان وأن الوجود الفلسطيني المسلح في الجنوب يسمح لها بنسف الاستقرار اللبناني انطلاقاً من الجنوب. لم يتغير شيء. هناك في لبنان من يريد الاستمرار في خدمة الإسرائيلي. ولذلك نرى هذا الطرف الذي حل مكان المنظمات الفلسطينية يريد تحرير مزارع شبعا بالقوة بدل أن يسأل لماذا لا يقدم النظام السوري على خطوة تقديم الورقة التي تطالبه بها الأمم المتحدة كي تجبر إسرائيل، أقله من الناحية القانونية، على الانسحاب مما بقي من الأراضي اللبنانية المحتلة؟
ليست مزارع شبعا سوى معبر لاستنزاف لبنان بواسطة لبنانيين، للأسف الشديد. إنها اختصار للمأساة اللبنانية وللرغبة في استمرار المأساة عن طريق تكريس لبنان ساحة للمحور الإيراني- السوري يستخدمها للتوصل الى صفقات مع أميركا وإسرائيل على حساب اللبنانيين وأهل الجنوب خصوصاً. ثمة حاجة أكثر من أي وقت الى تسمية الاشياء بأسمائها وتأكيد أن المهزلة لا يمكن أن تستمر وأن اللبنانيين يعون تماماً أن الوقت أن لوقف المتاجرة بهم انطلاقاً من مزارع شبعا التي ليست سوى وسيلة ابتزاز يُراد منها تقديم خدمات لإسرائيل، لعلها تتساهل في مفاوضاتها السرية والعلنية مع سوريا وإيران... لماذا لا تتساهل إسرائيل ما دام لبنان واللبنانيون وأهل الجنوب تحديداً، يدفعون الثمن، كما العادة منذ توقيع اتفاق القاهرة في العام 1969!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00