8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

بين دعم أهل غزَّة واستغلال الحصار...

هناك فارق شاسع بين دعم غزة وأهل القطاع من جهة واستغلال الحصار الظالم المفروض على الغزاويين من الخارج والداخل، أي من داخل غزة نفسها، في الوقت ذاته، لتصفية الحسابات مع هذا الطرف العربي أو ذاك من جهة أخرى. إنها عملية تصب في خدمة إسرائيل في كل الأحوال والظروف مهما بذلت جهود لتغطيتها بشعارات براقة ذات مضمون فارغ. صارت غزة للأسف الشديد بازاراً سياسياً يستغله بعضهم في عملية سياسية أقل ما يمكن أن توصف به أنها لا تخدم الفلسطينيين وقضيتهم... حتى لا نقول شيئاً آخر. هناك بكل بساطة فجور لا حدود له يمارسه أولئك الذين يتاجرون ببؤس الغزاويين في غياب موقف عربي شجاع يسمي الأشياء بأسمائها ويحذّر من أن ممارسات حماس في غزة مرتبطة بحسابات لا علاقة للشعب الفلسطيني بها من قريب أو بعيد. باستثناء، طبعاً، أن المطلوب مرة أخرى استخدام هذا الشعب وقوداً في معارك اقليمية تنتهي كما العادة على حسابه ويدفع ثمنها من دم أبنائه.
لو كان هناك عرب فعلاً، لما كانت جامعة الدول العربية اكتفت في اجتماع على مستوى وزراء الخارجية بتوفير الغطاء لاستمرار السيد محمود عبّاس (أبو مازن) في موقع رئيس السلطة الوطنية بعد التاسع من كانون الثاني/ يناير المقبل. ليس كافياً تأكيد أن ابو مازن رئيس شرعي في غياب القدرة على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في غزة والقطاع. يبدو منطقياً استتباع هذه الخطوة بالذهاب الى ما هو أبعد من ذلك... الى تعرية حماس وإظهارها على حقيقتها بصفة كونها رأس حربة للمشروع الإيراني- السوري الذي لا هدف له سوى الاستحواذ على أوراق يستخدمها في صفقات يعقدها مع الولايات المتحدة أو إسرائيل على حساب كل ما هو عربي في المنطقة. ليس صدفة أن هناك حملة واسعة في اتجاه التصعيد في غزة، ترافقها تظاهرات ذات طابع مذهبي في لبنان وغير لبنان تحت شعار رفع الحصار عن غزة. هذه الحملة تجري في هذه الأيام بالذات من أجل إفهام الإدارة الأميركية الجديدة، عشية تسلم مهماتها، أن غزة تسيّر بالريموت كونترول من دمشق أو طهران، وأنها تستخدم في الضغط على مصر التي رفضت ولا تزال ترفض التغاضي عن الألاعيب والمناورات والمزايدات التي يمارسها المحور الإيراني- السوري في فلسطين أو لبنان أو العراق أو هذه الدولة العربية الخليجية أو تلك...
لو كان هناك عرب، لكانوا وقفوا وقفة رجل واحد وصاحوا بصوت مرتفع ان قضية غزة تستخدم من أجل تكريس استمرار الاحتلال الإسرائيلي لجزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية. بكلام أوضح، تستخدم قضية غزة كي يظل العالم منصرفاً عن الخطر الحقيقي الذي يهدد مستقبل الضفة الغربية والمتمثل في الجدار الأمني الذي يخلق أمراً واقعاً جديداً على الأرض، والذي لم يعد هناك من ياتي على ذكره. يشكّل الجدار خطراً على فكرة قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة وذلك بتقطيعه أوصال الضفة الغربية وإبقائه على مستعمرات وتجمعات سكنية إسرائيلية كبيرة فيها. يشكل الجدار عائقاً في وجه المشروع الوطني الفلسطيني القابل للتحقيق، وهو مشروع الدولة المستقلة وليس المشروع الوهمي البديل الداعي الى إزالة إسرائيل من الوجود. يمثل هذا المشروع الخدمة الأكبر التي يمكن تقديمها لإسرائيل ولاستمرار الاحتلال نظراً الى أنه يدعم النظرية الإسرائيلية القائلة ان لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه.
أقل ما يمكن عمله عربياً في المرحلة الراهنة، الإعلان بكل صراحة أن قطاع غزة تحرر في العام 2005، وأن كل صاروخ يطلق من القطاع هدية من السماء للاحتلال. من يسعى بالفعل الى فكّ الحصار لا يطلق صواريخ ولا ينقلب على الشرعية الفلسطينية. من يسعى بالفعل الى فك الحصار، بدل تكريسه من أجل المتاجرة ببؤس الفلسطينيين، يرفع علم فلسطين عالياً وليس أعلام الإمارة الإسلامية التي أقامتها حماس ،كما حصل في اليوم الذي احتفلت فيه بالذكرى الواحدة والعشرين لتأسيسها. من يريد التخلص من الحصار لا يعمل من أجل عودة الاحتلال عن طريق ممارساته الإرهابية التي تستهدف التدمير والقتل بواسطة طائرات فيها طيار وأخرى من دون طيار.
من يريد بالفعل التخلص من الحصار يقول إن هناك برنامجاً سياسياً فلسطينياً يتطابق مع قرارات الشرعية الدولية يقبل به المجتمع الدولي. وإن الخطوة الأولى في اتجاه إعطاء صدقية للبرنامج تكون بتحويل غزة نموذجاً لما يمكن أن تكون عليه دولة فلسطينية مستقبلاً، وليس منطقة تحولت الى غابة سلاح تسودها شريعة الغاب. ولكن يظل السؤال الأساسي هل تريد حماس التخلص من الاحتلال والحصار... أم تريد استخدام الحصار لأهداف أخرى؟ من الواضح أن هدف حماس ليس التخلص من الاحتلال. كل ما تريده، وهذا ما أظهرته تصرفاتها، هو تدجين الشعب الفلسطيني في غزة كي يسهل عليها السيطرة عليه. في ذلك سر تعلقها بالحصار وعمل كل شيء من أجل استمراره. أين المنطق في رفض كل المبادرات العربية، بما في ذلك المبادرة اليمنية، للانتهاء من حال الانقسام المستمرة من صيف العام 2007؟ اين المنطق في احتجاز جندي إسرائيلي منذ صيف العام 2006 باستثناء أن ذلك سمح لإسرائيل باغتيال ما يزيد على ألف ومئتي مواطن فلسطيني وجرح مئات آخرين... أين المنطق في كل ما يحصل باستثناء أن المطلوب بقاء الشعب الفلسطيني وقوداً في معارك لا علاقة له بها من قريب أو بعيد وكأن تجارب الماضي القريب لا تعني شيئاً بالنسبة اليه.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00