أذا وضعنا جانبا الجانب الفولكلوري الذي طغى على زيارة النائب ميشال عون لسوريا، لا يعود عندها بدّ من ملاحظة امرين: الاول ان الزيارة بدأت يوم صدور التقرير الاخير عن لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. اما الامر الاخر فهو ان المطروح منذ استشهاد رفيق الحريري يتجاوز بكثير زيارة يقوم بها ميشال عون او من هم على شاكلته لدمشق ومدن سورية اخرى. المطروح الازمة العميقة التي يعيشها النظام السوري والتي جعلته يسعى الى معالجة اي جريمة يرتكبها بدءا بجريمة التمديد لأميل لحود، رئيس الجمهورية السابق، بجريمة اكبر منها. هل من ازمة يقع فيها نظام اعمق من ازمة تضطره يوما الى التخلص من رفيق الحريري اعتقادا منه ان ذلك سيحل له مشاكله في سوريا ولبنان في ان؟
لا تفسير اخر لأستقبال ميشال عون بكل هذه الحفاوة التي فيها الكثير من المبالغة المصطنعة سوى محاولة الاستفادة الى ابعد حد من رجل قبل، حتى الان، لعب كل الادوار التي طلب منه ان يلعبها. ساهم كقائد سابق للجيش في تغطية كل الجرائم المرتكبة على الارض اللبنانية منذ التمديد للحود وصولا الى استشهاد الضابط الطيار في الجيش اللبناني سامر حنا على يد ميليشيا تابعة لحزب مسلّح. ذلك هو المغزى من استقبال ميشال عون الذي ذهب الى سوريا في زيارة تعارف وصداقة، فكانت النتيجة الإيجابية الوحيدة لزيارته انه كشف كم ان النظام السوري في حاجة الى اغطية يتستر بها لعله ينجو من المحكمة الدولية. المحكمة هي كلمة السر وهي وراء كل ما حصل وسيحصل. الباقي تفاصيل لا معنى لها حتى لو زار كل زعماء العالم دمشق وكل المدن السورية.
من يتابع عن كثب كل تصرفات النظام السوري منذ اغتيال رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما ثم سلسلة الجرائم الاخرى لا يجد سوى محاولات لطمس معالم الجريمة بعد محاولة العبث بمسرحها. من يتذكر كيف ان اميل لحود اعطى تعليمات الى الاجهزة المختصة بالعمل من اجل اعادة فتح الطريق امام فندق سان جورج في اسرع وقت ممكن، بحجة ان الحياة في البلد يجب ان تعود الى طبيعتها؟ من حسن الحظ ان العبث بمسرح الجريمة توقف بعدما تبين ان رفيق الحريري ورفاقه لم يذهبوا ضحية حادث سير وأن الموضوع مرتبط بجريمة كبرى لا يمكن بكل تأكيد محوها عن طريق الاستعجال في إعادة فتح الطريق. هنا، نسي النظام السوري امرا في غاية الاهمية. نسي ان بداية القرن الواحد والعشرين ليست شبيهة بالسبعينات والثمانينات من القرن الماضي وأن معالجة الازمة العميقة التي عانى ولا يزال النظام يعاني منها لا تكون عن طريق الهرب بأستمرار الى لبنان وارتكاب جرائم وتفجيرات في الوطن الصغير وتسليح ميليشيات طائفية ومذهبية مستعدة في كل لحظة للدخول في مواجهات في ما بينها، كما الحال في طرابلس... او الابقاء على قواعد عسكرية داخل الاراضي اللبنانية بحجة انها تابعة لمنظمات فلسطينية. نسي ان القواعد العسكرية هذه قواعد سورية كون المنظمات التي تسيطر عليها تابعة بشكل مباشر للأجهزة السورية. ونسي خصوصا ان اتفاق القاهرة الذي يتذرع به للأحتفاظ بهذه القواعد التي تشكل انتهاكا يوميا للسيادة اللبنانية، التي لا يرغب ميشال عون طبعا بالسماع بها، الغاه مجلس النوّاب في العام 1987.
منذ جريمة اغتيال رفيق الحريري والنظام السوري يبحث عن غطاء فصارت حاجته الان الى اغطية. لا يريد ان يتعلم من تجارب الماضي القريب. لا يزال يحاول. كل مشكلته ان اهل الشهيد رفضوا الاعتذار من القاتل لا اكثر ولا اقل. لو قبلوا لكان النظام استغنى عن خدمات ميشال عون وأمثاله من ادوات الادوات. اعتقد ان تظاهرة الثامن من اذار، تظاهرة شكرا سوريا، تعني ان هناك اكثرية لبنانية ستقف معه وستمنع الملاحقة القانونية وستحول دون خروج قواته العسكرية من لبنان. دم رفيق الحريري اخرجها اخيرا من لبنان، علما بأنه كان في الامكان التوصل مع رفيق الحريري الى صيغة تحفظ ماء الوجه للجميع وتوفّر على لبنان وسوريا واللبنانيين والسوريين مآسي هم في اشدّ الغنى عنها.
تندرج زيارة ميشال عون لسوريا في السياق الطبيعي لمسيرة الرجل الذي ادخل السوريين الى قصر بعبدا ووزارة الدفاع في تشرين الاول من العام 1990 من جهة وفي سياق تسلسل للأحداث فرضه النظام السوري منذ الثامن من اذار 2005. كان الهدف دائما وأبدا واحدا وحيدا. انه الإمساك بلبنان وبالقرار اللبناني. لم يحصل شيء صدفة. كل جريمة من الجرائم كانت مدروسة وذات هدف محدد يتمثل في تحطيم ارادة المجتمع اللبناني وأرباكه. لذلك اغتيل كل الذين اغتيلوا من الشهداء الابرار الذين ينتمون الى العروبة الصادقة والصافية والديموقراطية، عروبة رفيق الحريري، ولذلك كانت حرب صيف العام 2006 التي استكملت بالاعتصام في الوسط التجاري للعاصمة ثم بغزوة بيروت في السابع من ايار ـ مايو الماضي. وقبل ذلك كانت حرب مخيّم نهر البارد التي وقفت وراءها عصابة فتح الاسلام السورية الصرف.
لا يمكن لوم جنرال الهزائم على قبوله القيام بمثل هذه الزيارة لسوريا، ذلك ان الرجل في بحث دائم عن دور وعن هزيمة جديدة يلحقها بمؤسسات الدولة اللبنانية وبمسيحيي لبنان تحديدا وكأن لديه ثأرا عليهم. لا تفسير منطقيا للحقد الذي يكنه عون لمؤسسات الدولة اللبنانية بأستثناء انه يفضل ثقافة الموت على ثقافة الحياة وقد وجد نفسه اخيرا في موقعه الطبيعي، اي في صف من يمجد ثقافة الموت، صفّ اولئك الذين لم يتوقفوا عن الضحك عليه عبر تمجيدهم له بدخوله دمشق والمدن السورية دخول الفاتحين. اما الحقيقة فأنه ذهب للأعتذارمن نظام قاتل لا يعرف عنه شيئا بلغ حد جهله به ان ميّز بين نظام سوريا الاب ونظام سوريا الابن. ما الذي يمكن توقعه من اشباه الاميين غير هذا النوع من التحليلات المضحكة المبكية في ان؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.