8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الفلسطينيون بين أوباما وهيلاري وكيرتزر...

تولت هيلاري كلينتون وزارة الخارجية الاميركية خلفاً لكوندوليزا رايس. لا شكّ أن السيدة هيلاري تتمتع بشخصية قوية كما لديها خبرة واسعة في الشؤون العالمية، ولديها فوق ذلك كله رأيها في كل مسألة من المسائل المطروحة على الكرة الأرضية. ولكن بالنسبة الى أهل الشرق الأوسط، يظل السؤال: هل سيساعد ذلك باراك أوباما في الوفاء بوعد قطعه للفلسطينيين بأنه لن يهمل قضيتهم ولن يسير على خطى جورج بوش الابن الذي انتظر حتى السنة الأخيرة من ولايته الثانية كي يباشر بذل محاولات جدية لايجاد تسوية بينهم وبين إسرائيل تقوم على حل الدولتين؟ الجواب: إن الكثير سيعتمد على العلاقة القائمة بين الرئيس الأميركي الجديد من جهة ووزيرة الخارجية من جهة أخرى. ولكن ما لا يمكن تجاهله في الوقت ذاته أن أوباما اتخذ قراراً بالتركيز شخصياً على الشرق الأوسط. ولهذا السبب سيعيّن دان كيرتزر مبعوثاً خاصاً الى المنطقة، وهو منصب كان يطمح اليه دنيس روس الذي انضم الى حملة الرئيس الأميركي متأخراً، أي بعد أشهر عدة من انضمام كيرتزر المعروف باعتداله الى الحملة. ومن شروط كيرتزر السفير السابق في مصر وإسرائيل، الذي ليس مغرماً بروس، أن تكون علاقته مباشرة بالرئيس وألا تمر بوزير الخارجية.
لن يمنع التعيين المرتقب لكيرتزر مبعوثاً خاصاً كلينتون من لعب دور محوري على صعيد السياسة الخارجية. ما ليس سرّاً أن المهم بالنسبة الى أي وزير للخارجية الأميركية أن يكون مدعوماً مباشرة من الرئيس ويبدو أن السيدة كلينتون حصلت على هذا الدعم. من دون هذا الدعم الصريح الذي لا غبار عليه، لا يعود الوزير ممثلاً للرئيس بل مجرد مبعوث أميركي آخر مثل عشرات المبعوثين الذين يجوبون العالم. لم يحظ كولن باول يوماً بدعم كامل لا لبس فيه من بوش الابن. كان هناك دائماً في واشنطن من يشعر أنه قادر على تجاوزه أكان ذلك في فلسطين أو لبنان أو العراق أو منطقة الخليج عموماً أو إيران وصولاً الى أفغاستان.
في حال تولت هيلاري ملف الشرق الأوسط مباشرة أم لا، ما لا بدّ من ملاحظته أنها تمتلك مؤهلات كبيرة فضلاً عن مقدار كبير من الشجاعة والحس الإنساني. وفي هذا المجال بالذات، لا بدّ من العودة بالذاكرة قليلاً الى خلف أي الى السادس من أيار من العام 1998. خرجت هيلاري يومذاك عن الخط الرسمي للسياسة الأميركية وأعلنت بالفم الملان انها تدعم قيام دولة فلسطينية مستقلة. قالت السيدة الأولى في الولايات المتحدة وقتذاك: أعتقد أن دولة فلسطين ستخدم مصالح الشرق الأوسط في المدى الطويل. وأشارت الى أنها تتحدث عن دولة مسؤولة عن رفاه مواطنيها... دولة تتحمل المسؤوليات المترتبة على ممارسة الحكم.
كانت السيّدة كلينتون تتحدث عبر الأقمار الاصطناعية الى شبان من فلسطين وإسرائيل ومصر والأردن ودول أخرى في المنطقة جمعتهم جمعية بذور السلام الأميركية في بلدة فيلار السويسرية. صحيح أن الكلام لم يكن صادراً عن شخص يشغل موقعاً رسمياً في الإدارة، إلا أن الصحيح أيضاً أن الكلام كان يشير الى تحول كبير في السياسة الأميركية ما لبث أن أكده الرئيس كلينتون نفسه عندما تقدم بأفكار تصلح خطوطاً عريضة لتسوية في الأيام الأخيرة من عهده أواخر السنة 2000.
في مرحلة لاحقة، حصل سوء تفاهم بين هيلاري وسهى عرفات زوجة الزعيم الفلسطيني وقتذاك وأرملته حالياً. وثمة بين الفلسطينيين من يؤكد أن الحق على سهى، التي أساءت التصرف في إحدى المناسبات في حضور هيلاري. لكن ذلك لم يمنع السيّدة كلينتون من متابعة جهودها الهادفة الى تحقيق اختراق ما في الشرق الأوسط قبل أن يترك زوجها البيت الأبيض وفي قلبه حسرة بسبب فشله في تحقيق إنجاز ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين على غرار الإنجاز الذي ارتبط باسم جيمي كارتر بين مصر وإسرائيل.
أي هيلاري كلينتون ستكون وزيرة للخارجية؟ هيلاري التي دعت الى قيام الدولة الفلسطينية مستبقة الإدارة في العام 1998، أم هيلاري التي لم تعد تريد السماع بالحقوق الفلسطينية وحتى بالفلسطينيين بعدما ترشحت في ولاية نيويورك لاحتلال مقعد في مجلس الشيوخ. وقد نجحت في ذلك بعدما حيّدت يهود نيويورك القادرين على منعها من الوصول الى مجلس الشيوخ في حال شاؤوا ذلك. الأكيد أن هيلاري ستتجاوز الحادث العارض مع سهى التي صارت بدورها مجرد تفصيل بين التفاصيل. ولكن هل تعود الى إنسانيتها، أم تعتبر أن الموقع ليس سوى محطة على الطريق الى البيت الأبيض؟ لا شك أن اختيار الرئيس الأميركي لهيلاري كلينتون لتكون وزيرة للخارجية سيطرح أسئلة كثيرة. من بين الأسئلة طبيعة العلاقة التي ستربطها بأوباما من جهة والتعاون بينها وبين كيرتزر من جهة أخرى. الواضح أن ثمة قراراً لدى أوباما بالعمل الجدي من أجل إنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي، أو أقله العمل من أجل تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. كان كيرتزر، وهو يهودي متدين، من أوائل الذين دفعوا في العام 1988 في اتجاه علاقة بين الإدارة الأميركية ومنظمة التحرير الفلسطينية. أما هيلاري فإنها لم تخف يوماً، عندما كانت لا تزال في البيت الأبيض أن الفلسطينيين يستأهلون دولة. يبقى بين الأسئلة المطروحة السؤال الأساسي: كيف أعد الفلسطينيون نفسهم للمرحلة الجديدة التي يحتمل أن يستفيدوا منها؟ الأكيد أن وجود الكيانين لا يساعد الموقف الفلسطيني، كذلك المزايدة في طرح الشعارات، كما تفعل حماس وعدم الاتفاق على برنامج سياسي موحد. الأرجح أن الفلسطينيين لا يفوتون فرصة إضاعة أي فرصة تظهر أمامهم!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00