في حال علينا تصديق وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند، تبدو بصمات القاعدة على الهجوم الارهابي الذي تعرّضت له مدينة مومباي الهندية وخلف ما يزيد على مئتي قتيل اضافة الى مئات الجرحى. جرت العادة ان يكون وزير الخارجية البريطاني، اي وزير للخارجية في هذا البلد، صادقا لا يوجه الاتهامات من دون اثباتات. احد الاستثناءات النادرة كان الاتهامات في شان امتلاك العراق اسلحة للدمار الشامل وقد تولى اطلاقها في العامين 2002 و2003 رئيس الوزراء وقتذاك توني بلير وليس وزير الخارجية في حكومته الذي التزم موقفا متحفظا الى حد كبير وكأنه على علم بان الاتهامات الموجهة الى العراق سياسية قبل اي شيء اخر وان الغرض منها التحضير للحرب الشاملة التي انتهت باسقاط نظام صدّام حسين العائلي ـ البعثي.
الارجح ان القاعدة وراء العمل الارهابي الذي يظهر انه خطط له جيدا ونفّذه شبان جاؤوا باكرا الى مومباي العاصمة الاقتصادية والتجارية للهند والتي يبلغ عدد سكانها نحو سبعة عشر مليونا، اي انها واحدة من بين المدن الخمس الاكثر سكانا في العالم. الاهم من ذلك كله ان مومباي ذات الواجهة الواسعة على بحر العرب مدينة منفتحة تضم اشخاصا من طوائف مختلفة. هناك الهندوس والسيخ والمسلمون والمسيحيون واليهود وحتى طوائف صغيرة يعيش افرادها في امان في ظل الديموقراطية الهندية. هناك ديموقراطية حقيقية في الهند حيث تناوب على السلطة بين احزاب مختلفة. هذه الديموقراطية سمحت بنمو البلد وازدهاره على الرغم من ان عدد سكانه نحو مليار وثلاثمئة وخمسين مليون نسمة بينهم نحو مئة وخمسين مليون مسلم فيما الاكثرية من الهندوس. هل الهدف من العملية الارهابية ضرب الصيغة الهندية؟
في انتظار تحديد كيفية حصول العملية ومدى تورط اطراف باكستانية فيها وما اذا كان هناك تورط لمواطنين هنود او اخرين يحملون الجنسية البريطانية، لا بدّ من ملاحظة ان تقارير عدة نشرت في وسائل الاعلام اشارت الى ان القاعدة ستقدم على عمل ما في الفترة الفاصلة بين انتخاب الرئيس الاميركي الجديد وتوليه لمهماته في العشرين من كانون الثاني المقبل. لم تخيّب القاعدة ظن وسائل الاعلام او الاجهزة الامنية التي كانت وراء تسريب المعلومات عن العملية المرتقبة. كل ما في الامر ان التنظيم الارهابي الذي يتزعمه اسامة بن لادن والذي كان وراء العمليات الارهابية التي ضربت نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من ايلول 2001، شاء الترحيب بباراك اوباما على طريقته. اراد ان يقول له ان جورج بوش الابن لم ينتصر في الحرب على الارهاب بدليل ان طالبان لا تزال حية ترزق وانها لا تسيطر على اجزاء من افغانستان فحسب، بل ان لديها قواعد خلفية في باكستان ايضا. اكثر من ذلك، يبدو ان القاعدة ارادت إبلاغ اوباما ان قدرتها على الاعداد لعمليات ارهابية كبيرة في انحاء مختلفة من العالم لم تمس على الرغم من الامكانات الضخمة التي جندتها دول العالم في خوضها لما سمته الولايات المتحدة الحرب على الارهاب.
من مومباي، التي تسمّى ايضا بوابة الهند، يدخل باراك اوباما الى العالم الحقيقي، عالم الازمات والحروب التي يخلفها له جورج بوش الابن. ربما كان مستشارو الرئيس الاميركي المنتخب اخر من فوجئ بما حصل في مومباي. كانوا يقولون في واشنطن في الاشهر والاسابيع التي سبقت موعد الانتخابات في الرابع من تشرين الثاني ـ الماضي، ان الحرب على الارهاب ستستمر في غياب نتائج حاسمة لان ادارة بوش الابن اساءت التصرف عندما انتقلت الى العراق قبل الانتهاء من القاعدة وطالبان في افغانستان وباكستان. يذهب احد هؤلاء المستشارين الى حد القول ان الانتقال الى العراق لعب دورا اساسيا في جعل السياسة الاميركية تخرج عن السكة. ويدعو صراحة الى التركيز مجددا على الوضع في افغانستان، خصوصا في باكستان حيث لا سيطرة للحكومة المركزية على كل البلد. هناك مناطق واسعة من باكستان خارج السيطرة وتتحكم بها قبائل بشتونية تحمي طالبان وعناصر القاعدة وتوفر لها كل ما تحتاجه بما في ذك حقول التدريب على العمليات الارهابية.
هناك شكوى اميركية وهندية من الاستخبارات العسكرية الباكستانية التي صنعت طالبان ولا تزال تستخدمها ضد الهند خصوصا في كشمير. الم يذهب مسؤولون اميركيون الى حد اتهام الاستخبارات الباكستانية صراحة في تصريحات نشرتها نيويورك تايمز بانها وراء تفجير السفارة الهندية في كابول في تموز الماضي؟
في مرحلة ما بعد احداث مومباي، سيكون هناك تركيز اميركي وهندي على باكستان. سيكون السؤال المطروح هل في استطاعة الرئيس الباكستاني اصف علي زرداري الذي بذل بالفعل جهودا جبارة لتحسين العلاقات مع الهند في الاسابيع القليلة الماضية الانتقال من الكلام الى الافعال تفاديا لمزيد من الضغوط على بلاده وتدهور حقيقي في العلاقات بين اسلام اباد ونيودلهي؟
ما شهدته مومباي ليس سوى بداية. انها بداية لاحداث كبيرة من المرجح ان تدور تحت عنوان كبير هو ان الوضع الراهن في باكستان لا يمكن ان يستمر الى ما لا نهاية كونه بات يشكل تهديدا على الامن في كل شبه الجزيرة الهندية والمنطقة المحيطة بها. سيكون هناك تركيز من نيودلهي على باكستان، التي تمتلك نحو ستين قنبلة نووية، نظرا الى ان الهند لا تستطيع تحمل مزيد من العمليات الارهابية خصوصا في حال تبين ان القاعدة تسللت الى كشمير وبات لها قواعد وخلايا فيها وان التعايش بين مكونات المجتمع الهندي، خصوصا بين الهندوس والمسلمين معرض للخطر. وسيكون هناك تركيز اميركي على باكستان لان مستشاري اوباما على قناعة بان الحرب على الارهاب تبدأ من باكستان وافغانستان.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.