ما فعله الرئيس الفلسطيني السيد محمود عبّاس (ابو مازن) كان عين الصواب وذلك بغض النظر عن الاخطاء التي يرتكبها الرجل والعائدة الى عدم قدرته على احاطة نفسه بكفاءات فلسطينية افضل بكثير من الديناصورات التي تتحدث باسم السلطة الوطنية عبر الفضائيات العربية وغير العربية. ما فعله ابو مازن خطوة على طريق المحافظة على الامانة. وتتمثل الامانة في المحافظة على تراث نضالي عمره يزيد على نصف قرن أدى الى وضع القضية الفلسطينية على الخريطة السياسية للشرق الاوسط. كان لا بدّ من المحافظة على الامانة عن طريق انتخابه رئيس لدولة فلسطين في الجلسة التي عقدها المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في رام الله. والمجلس المركزي هو حلقة الوصل بين المجلس الوطني الفلسطيني الذي يمثل فلسطينيين الداخل والشتات واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
لا تزال منظمة التحرير الفلسطينية، الى اشعار اخر، المرجعية السياسية الاولى والاخيرة للفلسطينيين. لا وجود لسلطة وطنية فلسطينية من دون اتفاق اوسلو الذي سمح بالانتخابات الرئاسية والتشريعية. هذا الاتفاق ثمرة اعتراف متبادل بين حكومة اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ذات البرنامج السياسي الواضح كل الوضوح والذي هدفه اقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية استنادا الى مبدأ الارض في مقابل السلام وقرارات الشرعية الدولية.
من هذا المنطلق، يمكن القول ان ابو مازن تصرف استنادا الى ما هو معمول به بموجب القوانين والاعراف. وقد دفعه ذلك الى الدعوة الى انتخابات رئاسية واشتراعية في آن كي يقول الشعب الفلسطيني كلمته بدل ان يبقى الشعب أسير كيانين كلّ منهما مستقل عن الآخر. في غياب القدرة لدىحماس على الذهاب الى حوار في القاهرة والموافقة على نص الاتفاق الذي وضعه الجانب المصري لتكريس المصالحة مع فتح، يبدو منطقيا التوجه الى صناديق الاقتراع. كان اقتراح اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الوقت ذاته بمثابة مخرج من المأزق الذي ادخلت حماس نفسها فيه عندما قررت تحويل قطاع غزة الى امارة اسلامية على الطريقة الطالبانية (نسبة الى طالبان) بدعم ايراني لا هدف له سوى تحويل الشعب الفلسطيني الى وقود في المعارك التي يخوضها نظام الملالي في طهران بهدف الهيمنة على المنطقة العربية وتأكيد ان هناك قوتين اقليميتين في الشرق الاوسط هما ايران واسرائيل فقط لا غير.
تسبب ابو مازن بإرباك لـحماس. وضعها امام خيارات عدة احلاها مرّ، بسبب المخاوف القائمة لدى الحركة من تعرضها لما تعرّضت له فتح في الانتخابات التشريعية الاخيرة. عاقب الفلسطينيون فتح في تلك الانتخابات والحقوا بها هزيمة شنيعة في ضوء ما ارتكبته من تجاوزات على كل المستويات وبسبب فساد معظم قيادييها وكوادرها. الان يترحم الفلسطينيون على فتح، خصوصا في غزة بعدما اكتشفوا طبيعة حماس وحقيقتها. اكتشفوا خصوصا انها تفتحنت، اي انها اكتسبت كل مساوئ فتح من دون اي من حسناتها، بسرعة الضوء وان همّها الاول السلطة والاستحواذ عليها بدل ان تنصب الجهود على كيفية التخلص من الاحتلال. ويترافق الهوى الحماسي بالسلطة بمقدار كبير من الفجع الى كل نوع من انواع المكاسب والامتيازات. لم تعد هناك حدود لفساد معظم قياديي حماس وكوادرها، الى درجة ان الفلسطيني العادي في غزة بات يتساءل هل من اهداف حماس مساعدة الاحتلال الاسرائيلي في ايجاد المبررات لتشديد الحصار الظالم الذي يفرضه على القطاع؟
ما هي خيارات حماس في قطاع غزة بعدما طرح ابو مازن امامها تحدي الانتخابات؟ تستطيع الحركة منع اجراء الانتخابات في غزة. تستطيع ايضا اعتقال مرشحي فتح وهذا سيضعها في مازق كبير اما الراي العام الفلسطيني والعربي والدولي، خصوصا ان مثل هذه الخطوة المفترضة تأتي بعد رفض حماس لمتابعة الحوار الفلسطيني في القاهرة ووضعها لشروط خاصة بها وتحفظات معيّنة على وثيقة التفاهم المصرية التي تكرس المصالحة.
هناك خيار بديل من منع الانتخابات. يتمثل هذا الخيار في اجراء انتخابات رئاسية في غزة بمعزل عن الضفة الغربية. عندئذ سيكون هناك رئيسان فلسطينيان وحكومتان الاولى في غزة والاخرى في الضفة. هل يمكن لـحماس الاستفادة من مثل هذا الوضع في المدى البعيد؟ والى اي حد تستطيع ابقاء سيطرتها على غزة المحاصرة من دون رضا اسرائيل ومباركتها؟
ثمة خيار آخر يمكن ان تلجأ اليه حماس بعد انتهاء ولاية ابو مازن في التاسع من كانون الثاني- يناير المقبل. يقضي الخيار بتعيين السيد احمد بحر رئيسا موقتا للسلطة الوطنية الفلسطينية بصفة كونه نائب رئيس المجلس التشريعي وقائما باعمال رئيس المجلس الذي تسجنه اسرائيل. كيف سيتصرف العرب عندئذ. هل يقبلون بامر واقع تفرضه عليهم حماس؟ هذا امر مستبعد الى حد بعيد.
يبقى خيار أخير هو قبول التحدي وخوض الانتخابات. مثل هذا الخيار هو الاسلم. انه الاسلم للشعب الفلسطيني اولا نظرا الى انه سيسمح لـحماس بالخروج من المأزق الذي ادخلت نفسها فيه ومعها القضية الفلسطينية. هزيمة حماس الاكيدة والمحققة في مثل هذه الانتخابات هي الحل. لا لشيء سوى لانها تسمح بالعودة الى وضع طبيعي تكون فيه سلطة فلسطينية تحمل برنامجا سياسيا واضحا وليس مجرد شعارات مضحكة ومبكية في آن. وحده البرنامج السياسي الواضح الذي تنادي به السلطة الوطنية يخرج حماس من ورطتها ويفك الحصار عن غزة. ولذلك المطلوب انتخابات اليوم قبل غد في الضفة وغزة... انتخابات رئاسية وتشريعية تعيد القضية الفلسطينية الى الخريطة السياسية للشرق الاوسط والعالم بدل ان تكون القضية مجرد ورقة سورية - ايرانية كما الحال الان.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.