8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

... كأنَّ الانتصار على لبنان بديل الانتصار على اسرائيل!

بعد خمسة وستين عاما على الاستقلال، لا يزال مكتوبا على لبنان ان يتعذّب، لا لشيء سوى لانه كان ولا يزال قادرا على توفير نموذج حضاري في المنطقة بعيدا عن اي نوع من انواع التعصب والتزمت والارهاب والتطرف وقمع الحريات. لا يزال لبنان يدفع ضريبة تمتعه بحد ادنى من الحكمة مكّنه من المحافظة على ارضه في العام 1967، فيما احتلت اسرائيل اراض لثلاث دول عربية هي مصر وسوريا والاردن. فقدت المملكة الهاشمية الاردنية الضفة الغربية والقدس بسبب المزايدات العربية، فيما لم تستعد مصر اراضيها المحتلة سوى بعد مفاوضات تلت حربا (حرب تشرين 1973) ادت عمليا الى تحريك الوضع ووضعه على طريق التسوية. اما سوريا فلا تزال تعاني من نظام غير قادر لا على السلم ولا على الحرب، نظام يعتقد ان في استطاعته محاربة اسرائيل بالوكالة مستخدما لبنان واللبنانيين وقودا في كل الاوقات والفلسطينيين في بعض الاوقات، او على الاصح كلما سنحت له الفرصة للقيام بذلك...
وجدت مصر مصلحتها في التوصل الى اتفاق سلام مع اسرائيل. استعادت ارضها المحتلة وثروات سيناء من نفط وغاز ومواقع سياحية في مقدمها شرم الشيخ التي صارت من دعائم الاقتصاد المصري. وتابعت اسلوب التفاوض الى النهاية الى ان تمكنت من استعادة طابا بفضل التحكيم الدولي ومن دون اراقة نقطة دم. كذلك فعلت المملكة الاردنية التي اقدمت على خطوتين مهمتين. تمثلت الخطوة الاولى في قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية الذي اتخذه الملك حسين، رحمه الله، في تموز من العام 1988 والخطوة الاخرى في توقيع اتفاق سلام مع اسرائيل استعادت المملكة بموجبه حقوقها في الارض والمياه. حصل ذلك في تشرين الاول من العام 1994 بعد ثلاثة عشر شهرا على توقيع اتفاق اوسلو في حديقة البيت الابيض بين حكومة اسرائيل ممثلة باسحق رابين من جهة وياسر عرفات، رحمه الله، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية من جهة اخرى.
بقيت سوريا، النظام السوري تحديدا، الذي يعرف تماما ما يريده. يريد بقاء الجولان محتلا واستغلال الاحتلال الاسرائيلي لاستنزاف لبنان... وكأن الانتصار على لبنان بديل من الانتصار على اسرائيل. لم يتغيّر شيء في تصرفات النظام السوري تجاه لبنان. لا يزال مطلوبا الانتقام من لبنان واللبنانيين عن طريق ابقاء جبهة الجنوب مع اسرائيل مفتوحة تحت شعارات فارغة من بينها حماية المقاومة، في حين ان اسرائيل لم تعارض يوما مثل هذا التوجه. سعت اسرائيل في كل يوم وساعة الى المحافظة على مستوى معين من التوتر في جنوب لبنان. الدليل على ذلك، انها لم تعترض يوما على تدفق المسلحين والاسلحة من الاراضي السورية الى الاراضي اللبنانية. شجعت دائما مثل هذا التدفق. في اثناء المفاوضات غير المباشرة بينها وبين دمشق في العام 1976، وهي مفاوضات جرت بواسطة الادارة الاميركية ووزير الخارجية هنري كيسينجر تحديدا، بهدف حصول النظام السوري على ضوء اخضر يسمح له بارسال قواته الى لبنان، اشترطت الدولة العبرية في نهاية المطاف بقاء الجنوب في عهدة المقاتلين الفلسطينيين. كانت حجتها ان لديها حاجة الى الاشتباك مع الفلسطينيين بين وقت واخر والدخول في مناوشات معهم. هذا ما قاله كيسينجر نقلا عن الاسرائيليين لدى سؤاله عن الاسباب التي دفعت اسرائيل الى وضع ما سمّي الخطوط الحمر للانتشار العسكري السوري في الاراضي اللبنانية.
منذ ما قبل العام 1969، تاريخ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم والنظام السوري يرسل مقاتلين واسلحة الى لبنان. كان دخوله عسكريا الى الاراضي اللبنانية ثمرة اتفاق القاهرة وتوريط الفلسطينيين في حروب داخلية لبنانية ابتداء من العام 1975. لم يتغيّر شيء باستثناء ان المطلوب في المرحلة الراهنة فرض اتفاق جديد على لبنان اسوأ بكثير من اتفاق القاهرة. لا تفسير اخر للورقة التي قدمها النائب ميشال عون الى جلسة الحوار الوطني التي انعقدت اخيرا في قصر بعبدا والتي تعتبر في الواقع ورقة لـحزب الله. لم تتضمن الورقة اي اشارة الى سوريا وسياستها المعتمدة تجاه لبنان، كما لم تتضمن اي اشارة الى ان مصلحة لبنان في احياء اتفاق الهدنة مع اسرائيل... على ان يكون اخر دولة عربية توقع سلاما معها!
خمسة وستون عاما على الاستقلال ولا يزال لبنان يدفع ثمن الفواتير السورية والاسرائيلية. عملت كل دولة عربية ما تعتبر انه يخدم مصالحها. الا لبنان. ممنوع عليه ان تكون لديه مصالح يوظّفها في خدمة شعبه.
هل من نهاية لهذه اللعبة السمجة يوما، ام كتب على لبنان ان يكون ضحية دائمة لطرفين اقليميين، انضمت اليهما ايران حديثا، يعتاشان من حال اللاسلم واللاحرب في المنطقة وكأن استمرار هذه الحال هدف في حدّ ذاته!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00