8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أبعد من لجان تنسيق سورية مع لبنان...

ليس سرّاً أن مصلحة لبنان تقضي بإقامة أفضل العلاقات مع سوريا. وليس سراً أن من مصلحة سوريا إقامة أفضل العلاقات مع لبنان نظراً الى وجود مصالح مشتركة كبيرة بين البلدين. لبنان يحتاج الى علاقات جيدة وثابتة مع سوريا نظراً الى أن لا حدود برية مع بلد آخر سوى حدوده معها. لكن سوريا تحتاج أيضاً الى لبنان، على الرغم من أن لديها حدوداً مع دول عدة هي الأردن والعراق وتركيا لسبب في غاية البساطة يكمن في أن السوريين مستفيدون من كل ما يوفره لهم لبنان، بدءاً بفرص العمل لمئات آلاف العمال وانتهاء بالتعليم العالي لطلاب سوريين في جامعات راقية...
متى بدأ النظام السوري يستوعب هذه المعادلة القائمة على المصالح المشتركة وليس على العلاقة الفوقية، يصير في الإمكان التعاطي بين بيروت ودمشق من دون عقد وبعيداً عن الخزعبلات من نوع ذلك الشريط الذي بثه التلفزيون السوري أخيراً وتضمن اعترافات لإرهابيين ينتمون الى عصابة فتح الإسلام التي ليست في النهاية سوى من اختراع الأجهزة السورية. بكلام أوضح، يُفترض في النظام السوري التوقف عن سياسة إصلاح الخطأ بخطأ أكبر منه. متى صار ذلك ممكناً، تصبح هناك فائدة من لجان تنسيق لبنانية - سورية في كل الميادين، ولا تعود هناك حتى حاجة الى مثل هذه اللجان ما دام هناك تعامل طبيعي بين المؤسسات الرسمية في البلدين، من دون طغيان لأي مؤسسة سورية على مؤسسة لبنانية. لبنان لا يريد إلا الخير والازدهار لسوريا وللشعب السوري، ويرى أن طبيعة النظام القائم في سوريا مسألة مرتبطة بالسوريين أنفسهم. ما ذنب اللبناني إذا كان السوري يريد معاقبة نفسه والعيش في ظل نظام ليس لديه ما يصدره الى جيرانه سوى الأمن؟ إنه يصدر الأمن بعد افتعال الحرائق طبعاً، وهي حرائق يتبرع لإطفائها لاحقاً بغية الظهور في مظهر من يستطيع لعب دور الإطفائي، على حد تعبير النائب ميشال عون في المرحلة التي كان يتظاهر فيها أنه في مواجهة مع النظام السوري، وكان بين اللبنانيين يصدّق أنه ليس أداة سورية لا أكثر ولا أقل، بل ضابطاً لبنانياً حرّاً بالفعل!
يُفترض في تجربة فتح الإسلام أن تشكل مناسبة كي يعيد النظام السوري حساباته، اللهمّ إلا إذا كان يعتبر أن تشكيله لهذه العصابة أدى الغرض المطلوب، وأن محطة مخيّم نهر البارد كانت مهمة في الطريق الى تحقيق الانقلاب الكبير الذي يستهدف العودة بطريقة أو بأخرى الى لبنان بعد توفير الغطاء السياسي اللازم للعودة في ضوء نتائج الانتخابات النيابية المقبلة المتوقعة منتصف السنة المقبلة. يُفترض به أن يعيد حساباته لسبب يعود الى أن تجربة اللعب بالإرهاب وتوظيفه في خدمة نظام معين، لا يمكن إلا أن ترتد على هذا النظام أو ذاك عاجلاً أم آجلاً... أميركا نفسها مارست هذه اللعبة في الثمانينات فكانت النتيجة أن حصدت في الحادي عشر من أيلول 2000 ما كانت زرعته في أفغانستان قبل عقدين من الزمن. على من يصنع إرهابيين من نوع أسامة بن لادن، ومن يرعى إرهابيين من نوع شاكر العبسي ويصدرهم الى لبنان أن لا يتوقع من أمثال هؤلاء عرفاناً بالجميل. على من يُقدم على مثل هذه الارتكابات توقع الأسوأ من جهة، وأن لا يعتقد أن إلقاء المسؤولية على الآخرين يعفيه من الإثم الذي ولّدته يداه من جهة أخرى.
يمكن أن يكون ارتداد شاكر العبسي وأفراد عصابته على النظام السوري صحيحاً، كما يمكن أن يكون مجرد تمثيلية فبركها النظام في محاولة للنيل من اللبنانيين الشرفاء حقاً، على رأسهم سعد الحريري زعيم تيار المستقبل، التيار الذي يضم لبنانيين من كل الطوائف والمناطق والمشارب والطبقات، يجمع بينهم الايمان بثقافة الحياة والحرية والانتماء الى كل ما هو حضاري في هذا العالم... بديلاً من ثقافة الموت والعبودية التي يؤمن بها المنظرون لتحويل لبنان هانوي العرب. هؤلاء المتاجرون بالعروبة والمقاومة، يتناسون أن لا طلقة تطلق من الجولان المحتل منذ العام 1974 من القرن الماضي، وأن كل هدف النظام الإيراني وتابعه السوري التوصل الى صفقة مع الأميركيين والإسرائيليين على حساب لبنان واللبنانيين وكل ما هو عربي في المنطقة.
ما قد يكون أهم بكثير من خزعبلات النظام السوري واللجان الأمنية ولجان التنسيق مع لبنان، هل تخلى النظام عن وهم العودة الى الوطن الصغير؟ أم يظن أنه في طريقه الى تنفيذ الانقلاب الكبير، وأن نهر البارد، وفتح الإسلام لم يكونا سوى محطة على الطريق الى استكمال الانقلاب، كذلك الاغتيالات والتفجيرات وغزوة بيروت وقبل ذلك افتعال حرب صيف العام 2006 ثم الاعتصام في وسط بيروت بغية الانتقام من العاصمة وأهلها ومن اللبنانيين عموماً؟ هل يعتقد النظام أن الأوان آن لتنسيق جدي مع لبنان، تنسيق يرتكز على الندّية ولا شيء غير الندية أم يبقى أسير أوهامه، على رأسها أن أكثرية اللبنانيين تتعاطف معه، وأن في الإمكان معالجة الخطأ بخطأ أكبر منه والجريمة بجريمة أكبر منها، وأنه بات في الإمكان الانتقال الى مرحلة لعب ورقة المخيمات الفلسطينية؟
في النهاية، لا بدّ للنظام السوري من العودة الى خلف قليلاً وطرح سؤال في غاية البساطة على نفسه. السؤال هو الآتي: من نصحه بعدم ارتكاب جريمة التمديد لأميل لحود ومن شجعه عليها؟ ألم يكن اللبنانيون الصادقون الذين يريدون الخير لسوريا ولبنان هم من حاولوا إقناع الرئيس بشّار الأسد بعدم التمديد لأميل لحود؟ الى أين قاد رفض الاستماع الى النصيحة... ألم يأخذ ذلك النظام السوري الى المحكمة الدولية؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00