8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

تونس ولغة الأرقام...

من يزور تونس هذه الأيام، في الذكرى الواحدة والعشرين للتحول، أي في ذكرى وصول الرئيس زين العابدين الى السلطة في السابع من تشرين الثاني من العام 1987، يتأكد من امر واحد. يتمثل ذلك في أن تونس، وبلغة الأرقام وليس التمنيات والشعارات الفارغة، في الطريق المرتكز على التنمية المستمرة من جهة والأستقرار والأمن من جهة أخرى. ذلك لا يعني في أي شكل تناسي المشاكل التي تواجه بلداً ذا موارد طبيعية محدودة أو تجاهلها بمقدار ما يعني كيفية متابعة تطوير هذه الموارد واستغلالها بالشكل الصحيح. يحصل ذلك من منطلق أن الانسان هو الثروة الأولى ولا نفع لكل الثروات من دون وجود الثروة الانسانية التي باتت رأسمال تونس. هناك رقم يعطي فكرة عن كيفية استغلال ما لدى تونس من امكانات أن على صعيد الثروة الانسانية أو على صعيد الجمال الطبيعي وتنوع جغرافية البلد الواقع بين الجزائر وليبيا. هذا الرقم يتعلّق بالسياحة. في عشرين عاماً، تطورت مداخيل السياحة من نحو نصف مليار دولار في العام 1987 ألى نحو ثلاثة مليارات دولار في السنة 2007. وما ينطبق على السياحة، ينطبق على قطاعات أخرى من بينها التربية والنقل والزراعة والسكن والخدمات الصحية وتطوير تكنولوجيا المعلومات.
لم يكن ذلك ممكناً لولا وجود رؤية واضحة للمستقبل وقدرة على مواجهة التحديات في منطقة اجتاحتها العواصف السياسية والاقتصادية والارهاب بكل أنواعه منذ العام 1987 وحتى يومنا هذا.
تكفي في هذا المجال العودة ألى ما كان عليه الوضع في تونس في الأيام الأخيرة من مؤسس الدولة الحديثة الرئيس الحبيب بورقيبة، رحمه الله، للتأكد من أن ما حصل يوم السابع من تشرين الثاني 1987 كان نقطة تحول حالت دون غرق تونس في حال من الفوضى شبيهة بتلك التي اجتاحت الجزائر وكلفت البلد الغني بموارده الطبيعية، مئات آلاف القتلى والجرحى وسنوات من الحرب الأهلية سقط فيها آلاف الشهداء من المدنيين ومن رجال الأمن على يد العصابات الارهابية التي تلطت بالدين الاسلامي الذي هو براء منها. كان ممكناً أن تشهد تونس المشهد نفسه لولا القرار الشجاع بإزاحة الرئيس بورقيبة الذي تقدم به العمر استناداً ألى القانون وليس الى شيء آخر.
منذ تلك اللحظة وسلاح القانون هو الذي يحكم في تونس. انه السلاح الذي استخدم لمواجهة الأحزاب الدينية المتطرفة التي كانت على استعداد لتكرار التجربة الجزائرية على الأرض التونسية وهو السلاح الذي مكن تونس من تجاوز مرحلة الخطر والعمل في الوقت ذاته على تطوير دولة المؤسسات التي أسس لها بورقيبة بشجاعة لا مثيل لها، خصوصاً عندما تعلق الأمر بإقرار حقوق المرأة بعيداً عن الغوغائية والمتاجرة بالدين كما فعل كثيرون غيره في عالمنا العربي. وكان أن امتلك زين العابدين بن علي ما يكفي من الجرأة لأن يبني على ما كان قائماً وطور التجربة التونسية في اتجاه حضاري ووضع البلد على تماس مع التطور والتقدم ومنع سقوط تونس في المجهول وحتى في الفراغ. كان هناك في استمرار عمل دؤوب في أتجاه التطلع ألى المستقبل ومواجهة تحدياته. تكمن أهمية التجربة التونسية في السنوات الـ21 الماضية في القدرة على الاستمرارية من دون كلل أو ملل أستناداً الى خط واضح يبني على ما تحقق منذ الاستقلال.
من هذا المنطلق، تبدو الحاجة أكثر من أي وقت الى متابعة العمل في سلسلة من المشاريع تساعد في جعل التنمية تشمل كل الأراضي التونسية. أنها التنمية المبنية على الاستقرار والأمن الحقيقي ومؤسسات الدولة والقانون الذي يسمح بمواجهة التطرف والارهاب والقضاء عليهما وسد كل الثغرات التي يمكن أن ينفذا منها كما حصل في السنوات الأخيرة من عهد بورقيبة حين غابت الدولة ومؤسساتها بسبب تقدم الرئيس بالعمر وفقدانه حتى القدرة على تبيان ما يدور حوله. وقتذاك، تظاهرت الأحزاب الدينية بأنها تلعب لعبة الديموقراطية، فيما كانت تعمل في الواقع عن طريق تصرفات معينة على ضرب مؤسسات الدولة بهدف تدميرها وضرب المرافق الاقتصادية على رأسها السياحة لزيادة عدد العاطلين عن العمل.
لا تنسى تونس في أي لحظة أن النجاح في التنمية يتطلب استقراراً سياسياً وأمنياً. هناك تجربة سياسية في البلد ينقصها ألى حد ما نوع من الاستيعاب للواقع القائم لدى الأحزاب المعارضة التي يعوز بعضها الجرأة فيما يعوز بعضها الآخر النضج السياسي. تبدو هذه الأحزاب في سن المراهقة وتذكر ألى حد كبير بيساريي الستينات والسبعينات من القرن الماضي.
لغة الأرقام تعني في المستقبل، أي بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة المتوقعة في تشرين الأول من السنة 2009 انجاز سلسلة من المشاريع الضخمة توفر للبلد بنية تحتية متكاملة وفرص عمل لخريجي المدارس والجامعات. في النهاية، أن البطالة يمكن أن تعتبر المشكلة الكبرى لتونس في حال لم تعالج بالشكل المناسب. بين هذه المشاريع ما يسمى باب المتوسط، أي البحيرة الجنوبية الذي يستهدف انجاز مدينة متكاملة تجعل من تونس العاصمة ألأولى للأعمال والمشاريع في شمال افريقيا. كلفة المشروع نحو 25 مليار دولار ويشمل إقامة خمسة مراس لليخوت. هناك ايضاً مشروع آخر يستهدف إقامة مدينة رياضية بكلفة سبعة مليار دولار وإقامة مطار جديد يستوعب في مرحلة أولى خمسة ملايين سائح وفي مرحلة نهائية 20 مليون سائح. لا حديث في تونس سوى عن مشاريع للمستقبل... عن ارتباط أكبر بين مستوى المعيشة فيها بالمستوى السائد في أوروبا. الطموح كبير وليس بعيداً من الواقع.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00