8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

إنه انقلاب بكل معنى الكلمة..

ما شهدته الولايات المتحدة انقلاب بكل معنى الكلمة. انقلاب بالمعنى الايجابي للكلمة. اننا امام اميركا جديدة على الصعيد الداخلي اوّلا، اميركا التي تسعى الى التصالح مع اميركا. ويبدو ان ما حصل كان مصالحة بالفعل في حال اخذنا في الاعتبار ان اوباما الذين كان كثيرون يعتقدون انه لن يصل الى البيت الابيض نظرا الى انه اسود وإلى ان اسم والده هو حسين، حظي بدعم اميركيين من كل الفئات الاجتماعية. جاء انتصار باراك حسين اوباما بمثابة رفض لكل ما مثله جورج بوش الابن في السنوات الثماني الماضية والذي اوصل القوة العظمى الوحيدة في العالم الى ما وصلت اليه. ما وصلت اليه اميركا بوش الابن كان ازمة اقتصادية طاولت كل بيت. ولان اميركا هي اميركا، ما لبثت الازمة الاقتصادية العميقة التي ضربتها ان انعكست على العالم، خصوصا اوروبا. ادت الازمة بين ما ادت اليه الى هبوط كبير في اسعار النفط ستكون له من دون شك اثاره على غير دولة، خصوصا ايران وروسيا وفنزويلا...
في حال كان مطلوبا القيام بتحليل بارد للتطورات التي شهدتها الولايات المتحدة والتي توجت بالفوز الكاسح لباراك اوباما على جون ماكين، فأن اول ما يمكن قوله ان اميركا تخرج من ازمتها الاقتصادية بصعوبة وبطء، وستكون، على الارجح، قادرة في الاشهر القليلة المقبلة على الانصراف شيئا فشيئا الى معالجة النتائج المترتبة على السياسات الخاطئةلادارة بوش الابن، خصوصا في العراق. ولا شك ان اسعار النفط ستساعدها في القيام بالمعالجة اللازمة نظرا الى ما للهبوط من انعكاسات ايجابية على الصعيد الداخلي. بمجرد هبوط اسعار النفط، استعادت السياسة الاميركية قدرتها على المبادرة وعلى الدخول في مفاوضات مع دولة مثل روسيا او ايران من موقع مختلف. انه موقع القادر على الضغط بوسائل غير عسكرية قد تكون انجع من منطق القوة الذي لجأ اليه بوش الابن وكانت نتيجته ان قاد غير منطقة من مناطق العالم الى المجهول.
كيف سيتعاطى اوباما مع العالم؟ على الصعيد العملي، سيكون هناك سعي كبير الى التغيير يرافقه بعض الخوف. لن تكون مواجهة مباشرة، اقله في المدى المنظور مع ايران مثلا. سيكون هناك حوار معها. يقول احد مستشاري المرشح الفائز: ما دمنا نحاور كوريا الشمالية في شأن برنامجها النووي، لماذالا نحاور ايران؟ الثابت ان ادارة اوباما ستكون قادرة على الدخول في مثل هذا الحوار مع ايران ولكن من منطلق ان حصول الجمهورية الاسلامية على السلاح النووي امر غير مقبول على حد تعبير مستشار اوباما نفسه وهو من اولئك الذين سيكون لهم موقع مهم في الادارة الجديدة. ويضيف الرجل ان الولايات المتحدة ستستخدم كل الوسائل لمنع ايران من امتلاك السلاح النووي. ما يبعث في المقابل على الخوف من ادارة اوباما ان نائب الرئيس جو بايدن، الذي سيكون له دور كبير على صعيد رسم السياسة الخارجية، كان دعا في توصية الى الكونغرس، الى تقسيم العراق معتبرا ان هذا التقسيم الذي يفضي الى ثلاثة اقاليم في البلد سيريح الاميركيين ويسهل خروجهم منه بأقل مقدار من الخسائر. مالا يمكن تجاهله ان ايران نفسها ليست بعيدة عن فكرة تقسيم العراق، خصوصا انه يمكن ان يؤدي الى قيام اقليم جنوبي يدور في الفلك الايراني، علما بأن الاكثرية الساحقة للعراقيين الشيعة بدأت تدرك خطورة النفوذ الايراني والاطماع الايرانية وتتسلح بعراقيتها وعروبتها لمواجهة النفوذ والاطماع التي تهبّ من طهران. هناك تساؤلات حقيقية في ما يخص السياسة التي سيتبعها اوباما في العراق نفسه. الثابت انه يريد الخروج منه عسكريا في اسرع ما يمكن ولكن ليس بأي ثمن كان، وسيسعى في المقابل الى التركيز على الوضع في كل من افغانستان وباكستان. هناك شعور يتنامى في واشنطن بأن الحرب على الارهابلا يمكن ان تستمر وأن تحقق نجاحا ما دام الوضع في كل من افغانستان وباكستان على حاله. اكثر من ذلك، هناك قناعة لدى غير مستشارلاوباما بأن باكستان هي القاعدة الخلفية لـالقاعدة وأن باكستان في اساس المشكلة في افغانستان.
بعد اسابيع قليلة، سيترتب على اوباما القيام بخياراته. شعارات الحملة الانتخابية شيء والواقع شيء اخر. سيكتشف كم ان المشاكل التي تركها له جورج بوش الابن كبيرة، اكان ذاك على الصعيد الاقتصادي او على صعيد السياسة الخارجية، اي في العراق وأيران وأفغانستان وباكستان والشرق الاوسط عموما وفي شأن كل ما له علاقة بالحرب على الارهاب. كل ما يمكن قوله ان الرئيس الاميركي الجديد عرف كيف يتصرف، اقله الى الان، وعرف خصوصا كيف يستعين بأفضل المستشارين وكيف يظهر، على العكس من بوش الابن، في مظهر من يسعى الى الحوار بديلا من المواجهة والقرارات المتسرعة. هل يساعده ذلك في احداث التغيير المطلوب الذي وعد به الاميركيين؟ الاكيد ان الهبوط في اسعار النفط الذي طرأ في الوقت الذي كان فيه بوش الابن يودع البيت الابيض سيساعده في مهمته. في النهاية، تبين ان الولايات المتحدة باقتصادها الضخم تتحكم بالاقتصاد العالمي وأن ما يصيبها يترك ندوبا في العالم كله. باتت العولمة حقيقة. ربما لهذا السبب وقف العالم في اكثريته مع اوباما ينشد التغيير في الولايات المتحدة. ربما هذه المرة الاولى في التاريخ الذي تثير فيه انتخابات الرئاسة الاميركية كل هذا الاهتمام العالمي. بدا كل فرد على الكرة الارضية وكأنه يريد المشاركة في الانتخابات والادلاء بصوته فيها وذلك كي يقنع نفسه بأنه شريك في الانقلاب الذي حصل داخل القوة العظمى الوحيدة في العالم. انه انقلاب يفيد الولايات المتحدة اوّلا وأخيرا!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00