8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لا معنى لمصالحة من أجل المصالحة بين الفلسطينيين

تبدو المصالحة الفلسطينية مطلوبة اليوم قبل غد. ولكن يبقى السؤال الحقيقي والجوهري: مصالحة من اجل ماذا؟ هل من اجل تكريس الاحتلال ام من اجل التخلص من الاحتلال والعمل من اجل المشروع الوطني الفلسطيني الهادف الى اقامة دولة فلسطينية مستقلة "قابلة للحياة" عاصمتها القدس الشرقية ، اي القدس الشريف على حد تعبير ياسر عرفات، رحمه الله، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني الذي أعاد القضية الفلسطينية الى الخريطة السياسية للشرق الاوسط؟ لا معنى لأي مصالحة في غياب الهدف الواضح وفي غياب مضمون سياسي للمصالحة. لا وجود لشيء اسمه مصالحة من اجل المصالحة ، مثلما لا وجود لشيء اسمه حكومة وحدة وطنية من اجل حكومة وحدة وطنية او حكومة وفاق وطني من اجل حكومة وفاق وطني. لا قيمة للوفاق الوطني في غياب البرنامج الوطني الواضح المستند الى تراكمات نضال عمره ما يزيد على ستة عقود اوصل القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة وجعلها تدخل البيت الابيض من ابوابه الواسعة. في العام 2000، كان ياسر عرفات من الزوّار الدائمين للبيت الابيض. في تلك السنة، زار الرئيس الفلسطيني مقر الرئيس الاميركي اكثر من اي زعيم اخر في العالم.
انتهى ياسر عرفات في الاقامة الجبرية في رام الله عندما ارتكب خطأ قاتلا يتمثل في اعتماد، ما اعتبره للأسف طريق الخلاص. انه الطريق الذي سمّي في حينه "عسكرة الانتفاضة". كان القرار هدية من السماء للمتطرفين في اسرائيل، على رأسهم ارييل شارون، الذي اغتنم الفرصة ليؤسس لسياسة جديدة قائمة على ان لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه.لا يزال الشعب الفلسطيني يدفع الى اليوم ثمن قرار "عسكرة الانتفاضة" الذي اغلق ابواب البيت الابيض في وجه ياسر عرفات. وجد اريل شارون في القطيعة الفلسطينية- الاميركية انتصارا حاسما على الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني الذي كان يقول في مرحلة ما قبل اتفاق اوسلو في العام 1993 ان لا وجود لشيء اسمه "أنتفاضة من اجل الانتفاضة". نعم، لا وجود لشيء اسمه انتفاضة من اجل الانتفاضة. لذلك، حقق ياسر عرفات نجاحا تاريخيا عندما استعاد ارضا للشعب الفلسطيني بفضل اتفاق اوسلو. كان ياسر عرفات الزعيم الفلسطيني الوحيد الذي استعاد جزءا من الارض. كل الذين سبقوه عملوا من اجل خسارة الارض وأبلوا البلاء الحسن من اجل خسارة الارض بدءا برفض قرار التقسيم. لماذا نجح "أبو عمار" في استعادة بعض الارض؟ الجواب في غاية البساطة. فهم الرجل في مرحلة معينة، كان فيها واقعيا، المعادلة الاقليمية والدولية. فهم معنى التفاوض استنادا الى موازين القوى وليس استنادا الى اوهام. فهم اهمية الولايات المتحدة في المعادلة الاقليمية. وفهم خصوصا ان ليس في الامكان التوصل الى اتفاق ما في شأن الوضع النهائي من دون دور اميركي. صحيح ان اتفاق اوسلو من صنع فلسطيني - اسرائيلي وأنه فاجأ الاميركيين، او ربما تظاهروا بذلك، لكن الصحيح ايضا ان مرحلة ما بعد اوسلو وصولا الى قمة كامب ديفيد صيف العام 2000 ما كان ممكنا ان يكون لها وجود لولا الدور الاميركي الفعال. وحده الدور الاميركي استطاع المحافظة على الزخم وأبقاء القضية الفلسطينية على قيد الحياة على الرغم من الحرب التي شنها المتطرفون الاسرائيليون والعرب وغير العرب للقضاء على اي امل في السلام او في التوصل الى تسوية معقولة وقبولة تلبي الحد الادنى من طموحات الشعب الفلسطيني المظلوم.
ليس مهما التوصل الى اتفاق بين الفلسطينيين في القاهرة او غير القاهرة. المهم التخلي عن الاوهام والتعلم من تجارب الماضي القريب. ليس مهما ان تتصالح "حماس" مع "فتح" او "فتح" مع "حماس"، هذا اذا بقي شيء من "فتح". المهم المضمون السياسي للمصالحة. ما نفع مصالحة في غياب برنامج وطني يحدد فيه الفلسطينيون رؤيتهم للمستقبل؟ ما نفع مصالحة تشمل تغيير تركيبة منظمة التحرير الفلسطينية من اجل العودة بالمنظمة الى لغة الستينات او السبعينات من القرن الماضي، اي تلك اللغة التي شلت العمل الفلسطيني والتي كان على ياسر عرفات تجاوزها وتمرّد عليها في كل مرة اقدم فيها على خطوة جريئة ذات مغزى سياسي.
يفترض في الفلسطينيين عموما ان يضعوا نصب اعينهم انه ستكون هناك ادارة جديدة في واشنطن خلال بضعة اسابيع. هناك سياسة اميركية مختلفة لا مفر من التعاطي معها بغض النظر عن طبيعة هذه السياسة وما اذا كانت منصفة وعادلة. المهم كيف اعدّ الجانب الفلسطيني نفسه للمرحلة المقبلة. هل تصلح شعارات "حماس" للمرحلة؟ هل افادت الشعارات الفلسطينيين بشيء؟ لا بديل من مصالحة قائمة على برنامج وطني واضح كل الوضوح يضع المجتمع الدولي امام مسؤولياته. من دون هذا البرنامج، يمكن توجيه الشكر الى جمهورية مصر العربية على كل جهودها الهادفة الى اعادة الوضع الفلسطيني الى طبيعته. كذلك يمكن توجيه الشكر الى الجمهورية اليمنية التي بذلت في الماضي القريب كل ما تستطيع من اجل تحقيق المصالحة والعودة بالوضع الفلسطيني الى ما كان عليه قبل الانقلاب الذي نفذته "حماس" منتصف العام 2007.
الأكيد ان كل الشعارات الفارغة لن تعود على الفلسطينيين سوى بالويلات، تماما كما حصل بسبب القرار الخاطئ القاضي ب"عسكرة الانتفاضة". بعض المنطق اكثر من ضروري في هذه المرحلة. من دون المنطق الذي يعتمد على الواقعية، ستعود القضية الفلسطينية ما يزيد على نصف قرن الى خلف في احسن تقدير. في النهاية، هل يعتبر الفلسطينيون نفسهم جزءا من العالم... ام يعتقدون انهم يعيشون في عالم خاص بهم لا علاقة له بالتوازنات الاقليمية والدولية؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00